تحقيقات وتقارير

بعد زيارة البشير لموسكو العلاقات السودانية الروسية.. مواصلة الانتقال للاستراتيجي


بعد ثمانية أشهر من زيارته الأولى إلى روسيا في نوفمبر من العام الماضي، بدت زيارة رئيس الجمهورية المشير عمر البشير إلى روسيا التي انتهت أمس بعودته إلى البلاد؛ بدت ذات أهمية كبرى، ومختلفة عن الزيارة السابقة، سواء كان ذلك من حيث مخرجاتها، أو من حيث ما تم إنجازه من عمل مشترك خلال الأشهر القليلة التي فصلت بين الزيارتين، وليس أدلَّ من ذلك من الوصف الدقيق لمسار تحول علاقات الخرطوم وموسكو الذي عبر عنه حديث الرئيس الروسي فلادمير بوتين الذي قال خلال لقائه الرئيس البشير بالكرملين: “إن العلاقات بين البلدين تغيرت بالاتجاه الأفضل مؤخراً، وعلى وجه الخصوص نمو معدل التجارة بشكل إيجابي، كما أن السودان أصبح واحداً من أكبر المشترين للقمح الروسي”.

مشاريع كبرى

يتطلع السودان في علاقته مع روسيا لتنفيذ ثلاثة مشاريع استراتيجية أولها برنامج تحديث الجيش وعدم ممانعته إقامة قاعدة عسكرية أو لوجستية روسية على شواطئه المطلة على البحر الأحمر، لكن بطبيعة عمل المؤسسة العسكرية فإن المشروع يمضي بلا تفاصيل إضافية، أما المشروع الثاني فهو إنشاء محطة نووية، وقد زار وزير الكهرباء والموارد المائية معتز موسى روسيا منتصف مارس الماضي، حيث وقَّع إنابة عن الحكومة السودانية مع الجانب الروسي (خارطة طريق) لإنشاء محطّة نووية للأغراض السلمية، منتصف العام المقبل. وقد أكد الوزير معتز موسى في تصريحات صحفية سابقة، الاتفاق على البرنامج التفصيلي للمحطة النووية مع الجانب الروسي. الثالث ذو شق اقتصادي ويتمثل في زيادة حجم الاستثمارات الروسية في مجالات الزراعة والتعدين والنفط.

نتائج الزيارة

أبرز نتائج مباحثات الرئيس البشير مع نظيره الروسي بوتين، تمثلت في حديث الرئيس البشير خلال اللقاء وتأكيده أن تطوراً إيجابياً في التعاون العسكري التقني والعسكري يسود بين الدولتين، مشيراً إلى دور روسيا في تدريب الكوادر العسكرية السودانية، بجانب شكره للمواقف الروسية الداعمة للسودان في المحافل الإقليمية والدولية وموقف روسيا الأخير بمجلس الأمن الدولي الرافض لمقترح بريطاني بتمديد عمل بعثة “يوناميد” في دارفور “بجانب ذلك اتفقت القيادتان السودانية والروسية خلال المحادثات التي جرت في موسكو على أن هناك حراكاً وتطورات إيجابية في العلاقات بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية وصولاً إلى تعاون استراتيجي كامل بين الدولتين والاتفاق على تكثيف الاتصالات والمشاورات بين وزارتي الخارجية في البلدين وانعقاد الدورة السابعة للجنة التشاور السياسي في النصف الثاني من أكتوبر القادم بالخرطوم.
أما في المجال الاقتصادي فقد كشف التقييم الرسمي للقاء القمة الذي جمع الرئيس البشير ونظيره بوتين عن زيادة حجم التبادل التجاري خلال الفترة الماضية، بنسبة 100% عن آخر زيادة حدثت في التبادل التجاري مرتين في العام الماضي وصل بموجبها لأكثر من 350 مليون دولار، بجانب تقديم السودان مقترحاً بفتح مصرف روسي في السودان لتمويل المشروعات المشتركة ودعم التبادلات التجارية بين البلدين في إطار رغبة الكثير من الشركات الروسية التي تسعى للاستثمار في السودان حيث ستشهد المرحلة القادمة تنفيذ الكثير من المشروعات في مجالات الزراعة والصناعة والسياحة وفي المجال العسكري. وأكدت القيادة الروسية أنها ستواصل تعاونها مع السودان في هذا المجال وتسريع برنامجها لتحديث الجيش السوداني، كما تم التأكيد على أن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من المشروعات المشتركة حتى يتم استكمال مشروع بناء القوات المسلحة السودانية عام 2021.

مصالح حيوية

يصف المحلل الاستراتيجي الفريق حنفي عبد الله زيارة الرئيس البشير إلى روسيا بأنها تمهيد لزيارة سابقة تم خلالها وضع إطار لتطوير علاقات البلدين، ولفت إلى أن الزيارة لا تقتصر فقط على تطوير وتحديث الجيش السوداني رغم أنه أحد أبرز معالم زيارة الرئيس الأخيرة، وأشار إلى أنها زيارة لأوسع نطاق للتعاون مع دولة روسيا التي ظلت رغم خروجها من الاتحاد السوفيتي (دولة محورية). ويؤكد الفريق حنفي في ذات الوقت أن السودان لم يعد دولة تعتمد على المحاور رغم ما يصف به البعض انتقال السودان من محور لآخر، ويدلل على ذلك بأن السودان تاريخياً لم يعرف المحاور إلا خلال فترة قليلة خلال حقبة مايو حيث كان مع المحور السوفيتي، ويشير إلى أن السودان عقب انفصال الجنوب وأزمته الاقتصادية بدأ يبحث عن مصالحه الحيوية، ويرى أن هذه الزيارة تحتاج لوضع خطة وآلية خاصة وبلورتها لمشاريع يتم تنفيذها بين البلدين عبر الزيارات المتوقعة خلال الفترة المقبلة. ويشير الفريق حنفي لإمكانيات روسيا في مجال النهضة الزراعية بجانب أنها أكبر دولة منتجة للقمح ما يمكّن السودان من الاستفادة منها في مجالات التصنيع الزراعي والحيواني وقيام استثمارات روسية كبيرة في مجال التعدين خروجاً عن مشكلة سابقة لشركة روسية وهمية، ويشدد على ضرورة العمل عبر مؤسسات الدولة لأن توجه السودان نحو روسيا بهذا الزخم يحتاج لوجود آليات لنقل العلاقة مع روسيا لعلاقة استراتيجية.

صحيفة السوداني.