زهير السراج

لا تؤخذوا السكارى بما يقولون !!


* لا يمكن مكافحة الفساد بإجراءات سرية واعلانات القبض واطلاق السراح، فضلا عن الإنتقائية الشديدة للضحايا (إن كان هنالك ضحايا)، أو من أسماهم الرئيس بـ(القطط السمان)، بينما تسرح وتمرح التماسيح والضباع كما تشاء، بل وتقود الحملة المزعومة لمكافحة الفساد، وكأن الشعب السودانى عبيط وساذج و(ريالته سايلة)، لا يفرق بين الفاسد والمصلح، ولا يعرف من كان عاريا حافيا، يتغوط فى الشارع، وعندما تطاول فى البنيان بالفساد والمال الحرام، أخذ يوهم الناس بمكافحة الفساد!!

* الفقر ليس عيبا، ولقد كان معظمنا فقيرا، ولا يزال، ولكن العيب، بل والعار، أن يلجأ الإنسان الى السرقة والنهب وأكل المال الحرام ليتخلص من الفقر، بدلا عن بذل العرق والجهد والعمل الشريف ولو ظل قابعا فى الفقر طيلة حياته، فهو على الأقل سيطعم نفسه وذويه بالحلال ويترك وراءه سيرة نظيفة، ولن يجرؤ أحد أن يتفوه عنه بسوء .. أما أن يثرى ويغنى بالفساد والمال الحرام واستغلال النفوذ ثم يعلن الحرب على الفساد بينما يستثنى نفسه وعشيرته الفاسدة لأنه صاحب السلطة، فإن الحرب التى يشنها أو يتظاهر بشنها، لن تكون فى نظر الجميع سوى مهزلة أو مسرحية هزلية، بل مجرد عبث لا طائل من ورائه!!

* ما الذى يستفيده الناس أو الوطن، من مجرد اعلانات قبض واطلاق سراح بدون أن يقدم المتهم للعدالة، ويعرف الناس ما ارتكبه من جرائم، وكيف ارتكبها، وكم سرق، ومن هم شركاؤه (فلا يعقل أن يثرى شخص كل هذا الثراء الفاحش بدون مساعدة آخرين)، وأين كانت أجهزة المراقبة والمراجعة، وهل هو فعلا فاسد، أم ضحايا صراعات شخصية وتصفية حسابات، وتطبيق القاعدة القانونية المعروفة (المتهم برى حتى تثبت إدانته) ..إلخ، ولكن أن يجعل شخص نفسه وسلطته الأساس فى إلقاء الاتهامات والحكم على المتهمين بأى شكل من الأشكال، سواء بالتحلل والتجريد من المال المسروق، أو الاعتقال أو السجن او اطلاق السراح بدون الخضوع لتحقيقات قضائية أو محاكمات علنية، فهو إخلال بالعدالة وخلط بشع للسلطات، وتجريد سلطات تنفيذ القانون والقضاء من أبسط صلاحياتها وواجباتها، إلا إذا كان الذى يمارس هذا العمل يظن أنه (رب العالمين) له السلطة المطلقة فى فعل كل شئ، رغم أن رب العالمين نفسه لم يعط لنفسه السلطة المطلقة فى كل شئ، وإنما ترك للإنسان نصيبا كبيرا منها، من يؤمن به، أو حتى من لا يعتقد فى وجوده!!

* ثم من يضمن أن تكون هنالك مكافحة للفساد بالفعل كما يُقال، وليس هذا تشكيكا فى ما تتناقله أجهزة الاعلام عن مكافحة الفساد، ولكن يجب أن يكون كل شئ واضحا للعيان حتى يطمئن الناس أن هنالك بالفعل مكافحة للفساد، ويستعيدوا الثقة المفقودة فى أجهزة الدولة، ويساهموا فى الحملة على الفساد، على الأقل بالامتناع عن التعامل معها على انها مجرد مهزلة او مسرحية عبثية أو تصفية خصومات وصراعات شخصية، والكف عن الترويج للشائعات، إن لم يكن لديهم وسيلة لتقديم العون !!

* كما أن تقديم المتهمين للعدالة، ومحاسبتهم تحت سمع وبصر الجميع سيجعل غيرهم من الطامحين فى تحقيق المغانم بالطرق والأساليب الفاسدة، يخشون من نفس المصير فيمتنعون عن إرتكاب الجرائم والمفاسد، وبذلك يتحقق الهدف الأسمى من وجود القانون وهو منع الجريمة فى المقام الأول، وليس فقط معاقبة المجرمين!!

* أما أن يرى الناس المجرم وهو مطلق السراح يتمتع بحريته ويلوذ ببعض أو كل ما سرق، بعد التوصل معه الى (تسوية ما) لا يدرى أحد شيئا عنها، فهو ما يغرى بمزيد من الفساد، ما دامت المسألة تجرى فى الخفاء ولا يتمخض عنها سوى أيام اعتقال ربما يعلن عنه، وربما لا يعلن، وربما يكون حقيقة أو خرافة، أو مجرد اعلان تجارى لشغل الجمهور !!

* كما ان عدم مشاركة أجهزة الدولة المختصة، وعدم وجود وثائق قانونية تحمى الحق العام الذى تم إسترداده وتضمن دخوله الى الخزينة العامة بمستندات واضحة لا لبس فيها، وتكفل حق الرأى العام فى التثبت مما حدث سواء الآن أو فى المستقبل، وتحفظ حقوق كل الأطراف بما فيها المتهم، تفرغ هذا العمل من مضمونه القانونى والرسمى تماما، وتجعله مجرد عمل شخصى مسنود بقوة الشخص وسلطته وليس قوة وسلطة القانون، ولا يضمن عودة المال المسترد للدولة، ولا يحمى حتى من يقوم به، فما تفعله اليوم بقوتك وسلطتك، قد يفعله بك غيرك غدا عندما تفقد السلطة التى تستند عليها!!

* ما لم تشمل الحملة الجميع، ويعرف الرأى العام كل شئ عنها، ستظل محل شك بأنها ليست سوى صراع مصالح ونفوذ وتصفية خلافات شخصية، وتمهيد لترشيح البشير لدورة رئاسية قادمة بالضغط على الممتنعين، أو تمثيلية لإلهاء الناس عن ما تواجهه البلاد من انهيار شامل، أو فى أحسن الأحوال، مجرد فأر سقط فى جرة خمر فشرب حتى سكر وخرج وهو يترنح ويصيح: أين القطط، وعندما ظهرت له قطة وسألته ماذا يريد، أجاب مذعورا: لا تؤخذوا السكارى بما يقولون !!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة


‫2 تعليقات

  1. المثل يقول لاتؤاخذوا تؤااااخذذذوااا مش لا تؤخذوا السكارى بما يقولون !!
    اخجل ولا اكريني اخجل ليك. راجعوا الاخبار والمقالات قبل نشرها.
    رحم الله اللغه العربية

  2. انت ما علقت على الموضوع كلو الا كلمة تؤاخذو دى بس احتمال خطأ مطبعى او نتاج ثورة التهديم العالى.
    اكيد يا استاذ السراج نسمع ضجيجا ولا نرى طحينا ولم نرى حتى الآن محاكمة عادلة او استرداد مسروق بل البرلمان صرح امس ان الفساد 0% هههههههه والله شر البلية ما يضحك ولا يصدق الا ( وكأن الشعب السودانى عبيط وساذج و(ريالته سايلة)، لا يفرق بين الفاسد والمصلح، ولا يعرف من كان عاريا حافيا، يتغوط فى الشارع، وعندما تطاول فى البنيان بالفساد والمال الحرام، أخذ يوهم الناس بمكافحة الفساد!!)