رأي ومقالات

سؤال الشباب


كل الأطراف منهمكة: المعارضة باطرافها المختلفة تمضي رافعةً لواء إسقاط النظام او تفكيكه لمصلحة إقامة دولة كل الوطن وقيادة مرحلة انتقالية يتم خلالها اجراء الإصلاحات الملحة وعقد مؤتمر دستوري للاتفاق علي أسس حكم السودان ووضع قانون للانتخابات وتنتهي بإجراء انتخابات عامة ..

اما سلطة الإنقاذ فإنها مستغرقة في تأمين بقائها مستخدمةً في ذلك كافة الأسلحة المتاحة ، بالسطوة الأمنية ، بتسخير القدرات المالية الجبارة ، وبالهيمنة علي الوظائف والتوظيف …الخ..

في هذا السعي المحموم نحو المستقبل ، كل حسب رؤاه ومصالحه ، لا احد يفكر او يتساءل : بمن يكون السعي نحو ذلك المستقبل وكيف ؟

عشية الانتفاضة العظيمة ، انتفاضة مارس/ابريل ١٩٨٥ ، كان نظام ٢٥ مايو ١٩٦٩ قد اكمل ستة عشر عاماً في السلطة ، ستة عشر عاماً من البطش والتنكيل بالأحزاب ، بالسياسيين والنقابيين ، ومع ذلك لم نسمع ان حزباً سياسياً واحداً قد عقد ندوةً ، ورشةً او سمناراً لدراسة اثر تلك الأعوام علي قطاع الشباب ، اثر التيارات الفكرية والسياسية العاصفة التي تنازعت الشباب وتاثيرها علي سلوك وخيارات وقناعات هذه الفئة الأهم ..

وبعد اقل من أربعة أعوام من ديمقراطية غير مستقرة وقعت واقعة الإنقاذ بأثقالها وأهوالها علي الحرث والنسل ، علي البشر والممتلكات ، علي الحياة السياسية والأخلاقية ، وقبل كل شيء علي الأجيال الشابة الجديدة من خلال السلاح الاخطر ، سلاح التعليم ..

اهم عنصر في بقاء الحزب السياسي وتطوره هو العنصر البشري ، طاقة الفكر والفعل ، ولكن في الظروف الديكتاتورية التي تخنق الاحزاب وتنحط بالتعليم ومناهجه ويمتد عمر نظامها لأكثر من عقدين من الزمان فان إقبال الشباب الجديد علي الاحزاب والانتماء اليها يكون ضعيفاً ، ليس نقصاً في روحهم النضالية او شعورهم الوطني ، بل لان الاحزاب (في حالتنا بالذات) تكون عاجزةً عن مخاطبة احتياجاتهم والتعبير عن همومهم ، هذا بالنسبة لذوي الاستعداد ، فينطلق مؤسساً وقائداً لمبادرات وفعاليات في غاية الجسارة والذكاء ، هي تنظيمات مجتمع مدني علي نسق يرتبط ارتباطاً وثيقاً باحتياجات الناس في الطعام والعلاج والدواء ..الخ.. تنظيمات متجاوزة لما هو مالوف من نظيراتها القائمة المليئة بالامراض والانحرافات الإدارية و (المالية).. مع ذلك ، لا احد ينكر أهمية وجود الاحزاب وحتمية دورها في الحياة الوطنية ، ولكن في بلادنا : مؤسسو الاحزاب وقياداتها التاريخية الأولي او احفادهم وذويهم ، هم قادتها الان أيضاً ، بمعنيً أوضح : قيادات معظم الاحزاب عندنا تجاوزت الستين ، ومعظم هؤلاء (المعظم) تجاوزوا السبعين والثمانين من أعمارهم (المديدة باذن الله) :

كيف نجيب علي سؤال الاستحالة هذا ؟ ما الذي نستطيع فعله ؟

هل لدينا ما نهديه لوطننا من خلال أجياله الشابة الجديدة ؟

بقلم محمد عتيق.
سودان تربيون.