سَدّ النهضة والجديد شديد!

(1)
كما هو مَعلومٌ، لقد انقسم الموقف الفني السوداني من سد النهضة إلى فريقين، وعندما نقول فني، فإننا نُشير للنواحي الهندسية والعملية والقانونية.. ففريقٌ يرى أنّ هذا السد كله خيرٌ بالنسبة للسُّودان أو على الأقل إيجابياته أكثر بكثيرٍ من سلبياته، وتقف على رأس الفريق وزارة الري الحالية بوزيرها ومُهندسيها والخَبير القانوني الدكتور سلمان مُحمّد أحمد سلمان.. أمّا الفريق الثاني فهو مُتحفِّظٌ على سَدّ النهضة ويرى أنّ ضَرَرُهُ على السُّودان أكثر من نفعه، ويقف على رأس الفريق وزراء ري سابقين على رأسهم يحيى عبد المجيد وكمال علي والقانوني الدكتور أحمد المفتي، وهناك البروفيسور أحمد الرشيد سيد أحمد قريش، فقد كَتَبَ أكثر من ثلاثين دراسة علمية كلها ضد سد النهضة وموجودة الآن على موقع جريدة “سودانايل الإلكترونية” ومواقع أخرى، إذ يرى الرشيد أنّ سد النهضة خَطرٌ مَاحقٌ على السُّودان ومصر وإثيوبيا نفسها والسُّودان الأكثر تَضرُّراً منه، أمّا الموقف السِّياسي الرسمي السُّوداني، فقد كَانَ في اتجاه سد النهضة بكل وضوحٍ، لا بل الرأي العام السُّوداني في مُجمله كان يميل لسد النهضة، وهناك من تطرّف وقال إنّ فوائد السد بالنسبة للسُّودان أكثر من فوائده بالنسبة لإثيوبيا، فهو سد سُوداني في أرض إثيوبية وبأموالٍ إثيوبيةٍ.
(2)
الوضع الأمثل كان إبعاد السِّياسة عن هذه الأمور المصيرية مثل سد النهضة والاعتماد على الرأي الفني البحت بأبعاده كَافّة، فَكَان يَنبغي أن يجلس المُهندسون والمُختصون كَافّة من زراعيين واقتصاديين وقانونيين ومُؤرِّخين وعلماء سياسة ويتفقوا على رأي سوداني مُوحّدٍ ليس بالضرورة أن يكون هناك إجماعٌ تامٌ، لأنّ هذا مُستحيلٌ، بل موقفٌ عامٌ تَتَبَنّاهُ الحكومة والدولة في السُّودان ويتصرّف الإعلام على هديه، ولكن كما هو الحال أصبحنا في السُّودان مُتطرِّفين في مواقفنا ومُتعصِّبين لمَا نَراه من رأي ونَبحث عن نقاط الاختلاف أكثر من بحثنا عن نقاط الاتفاق وهذه قضيةٌ أخرى.. فالذي استجد الآن فيما يتعلّق بهذا السد، أنّ الغطاء السِّياسي الذي كان يتدثّر به الموقف السُّوداني قد انحسر عنه نتيجة للتغيير السِّياسي الذي حدث في إثيوبيا، إذ اعتلى سدة الحكم الشاب آبي أحمد بدلاً من ديسالين الذي خلف ملس زيناوي بطل سد النهضة، ومع أنّ آبي أحمد من ذات الجبهة الحاكمة، إلا أنّه من قوميةٍ مُختلفةٍ وجاء بأفكارٍ جَديدةٍ في عدة أشياء من ضمنها سد النهضة.
(3)
الذي فَاتَ علينا نحن السُّودانيين والذي كان يدركه المصريون، لا بل عَملوا له أنّ سد النهضة كانت له مُعارضة من داخل إثيوبيا، فهناك أفراد وجهات وقوميات إثيوبية ترى أنّ السد عبارة عن مشروع للكسب السِّياسي والمَالي لقومية بعينها وجهات متنفذة، وأنّ فيه تبديداً للموارد، وأن الكهرباء الناجمة عنه أقل بكثير مِمّا هو مُعلنٌ، وأنه كان ينبغي أن تتّجه الإرادة السِّياسية للزراعة والصناعة بدلاً من إنتاج وبيع الكهرباء، فالكهرباء سوف تجعل من الدولة دولة ريعية تستفيد منها القومية الحاكمة فقط، هذا الصوت المُعارض للسد ظهر الآن جلياً وبدأ باغتيال كَبير مُهندسي السد ومُديره العام، ثم اضرابات متتالية نفذتها قطاعات تعمل في ذات السد وها هو آبي أحمد يتّهم الشركة التابعة للجيش والتي تتولّى المُنشآت الأساسية بالفساد والتلكؤ، لا بل أشار آبي أحمد إلى أخطاء فنية قد تجعل السد في مهب الريح، وبذا يكون آبي أحمد قد وَصَلَ مَرحلة في الهجوم على السد لم يصلها حتى المصريين!!
حتى الآن لا يُمكننا القول إنّ الحكومة الإثيوبية سوف تتخلى عن السد، ولكن المُتّفق عليه أنّ السد لم يعد المشروع الوطني والاقتصادي الأول هناك، وهذا مَوقفٌ لن يستطيع السودان المُزاودة عليه.. فبالتالي وفي تقديري أنّ هذه فُرصة للسُّودان ليتّخذ موقفاً جديداً من هذا السد يقوم على مصلحة البلاد وأجيالها القادمة، موقفاً مُتجرِّداً من المُماحكات والمُكايدات السِّياسيَّة.
والله المُستعان،،،
صحيفة السوداني

Exit mobile version