عقيم !!

*قريبنا مزمل صديق مر بتجربة فريدة..

*ولما حكاها ضحكت لها طويلاً ؛ فقد مررت بمثلها عدة مرات في حياتي..

*قال إنه أُرسل إلى أهل بيته ليخبرهم بموت عجب..

*وعجب هذا كان أحد (أتباع) جدنا العمدة محمود… وسائق عربته..

*فجرى الطفل سريعاً – مزمل – ليجد النساء يلتهمن أكلة كان يحبها كثيرا..

*وهي بالنوبية (جكَّمسا)… وتنطق أيضاً (جكَّسوريد)..

*فوقع معهن على الصحن يأكل بنهم شديد… ثم ادكَّر بعد أُمَّة..

*وصاح (قالوا العجب مات)… فإذا بالنسوة ينتفضن من الطعام مع صراخ مدوٍّ..

*وانتفض هو لانتفاضتهن… وصرخ لصراخهن..

*وقال إنه إلى الآن (ما فاهم حاجة)… ولا سبب كل تلكم (الأهمية) لوفاة عجب..

*وحين كنت أنا في عمره سمعت الكبار يهمسون بشيء ذات يوم..

*وكان عن مرض (فلان)… ولم أدر لم الهمس..

*وخلال جلسة ضمت كبارنا هؤلاء مع فلان هذا جهرت بالذي كانوا به يهمسون..

*وسألته بصوت عالٍ (قالوا عندك كذا… صحي الكلام ده؟)..

*فانتفض الكبار مثل انتفاضة نسوة دار مزمل تلك… وانتفضت أنا كانتفاضته..

*ثم سمعت من ضروبب العتاب ألواناً… وأشكالا..

*وما زلت إلى يومنا هذا (ما فاهم حاجة)..

*وأيام الثانوي (نجرت) قصيدة أعجبتني… وأعجبت جاري في الفصل..

*فأصر زميلي هذا على (إبهار) أستاذ الأدب العربي بها..

*فذهبنا إليه بها لنبهره… ومن ثم يعم الإبهار كل المدرسة ؛ بمدرسيها وطلابها..

*ولكنه ما أن قرأ منها بيتين حتى أعادها إلينا (مكرفسةً)..

*ثم انتفض صائحاً (إيه الكلام الفارغ ده؟!… انجرّوا على فصلكم… ده شعر عقيم)..

*وانتفضنا لانتفاضته رعباً… (وانجرينا) من أمامه..

*وبعد كل هذه السنين ما زلت (ما فاهم حاجة)… ولا معنى مفردة عقيم..

*فالريح قد يكون عقيما – كما البشر – حسبما ورد في القرآن..

*وهي التي يصفها الحق بأنها (ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم)..

*أي التي لا (تخلِّف) من ورائها شيئا… ولا تُنبت… ولا تُلقِّح..

*ولكن كيف يكون الشعر – أو شعري أنا – عقيماً ؟!..

*وربما قصد الأستاذ أنه شعر لا (يُخلِّف) بنين… وبنات… وحفدةً ؛ من الشعر..

*وقبل فترة سألني صديق إن كنت صاحب قصيدة (حائمة) إسفيرياً..

*ووصفها بأنها قصيدة في غاية الروعة… والجمال… والإبداع..

*فوسوست لي نفسي بأنها قد تكون تلك القصيدة ذاتها التي أغضبت أستاذ الأدب..

*فربما عثر عليها أحدهم (مكرفَّسة) وسط ركام أوراق مدرستنا..

*ورأى فيها ما لم يره أستاذنا ذاك… فبثها في الأسافير..

*ولكني انتفضت حين قال إنها قصيدة سياسية فيها هجاء لاذع لأحد (الكبار جداً)..

*وصرخت : يستحيل أن تكون لي..

*فأنا…..(عقيم !!!).

صحيفة الصيحة

Exit mobile version