قرارات موفقة

لئن تأتي متأخراً خير من ألا تاتي .. ذلك ما خاطبتُ به السيد رئيس الجمهورية، وهو يبلغنا خلال اجتماع الهيئة التنسيقية لمتابعة إنفاذ مخرجات الحوار، خبر (الوثبة) الثانية بحل الحكومة وإجراء إصلاحات هيكلية كبرى تشمل تقليصاً كبيراً للجهاز التنفيذي والولائي ومعالجات أخرى لا أشك أنها ستكون ذات تأثير بالغ على موازنة الدولة وعلى أدائها ومستقبلها لو تمت بالصورة المثلى.

مما أسعدني كثيراً في خطاب الرئيس تقليص عدد الوزراء الاتحاديين ثم وزراء الدولة الذين أعلن أنهم سينقصون بنسبة (50%)، وكذلك هيكلة الحكم الولائي، إذ لا يعقل أن يبلغ عدد المحليات (189) محلية مع (18) ولاية في بلاد تشكو من عجز اقتصادي كبير !

قلت في حديثي أمام الرئيس، وكتبت مرارًا إن دهاقنة الإدارة ايام الاستعمار الانجليزي قسموا السودان إلى تسع مديريات، ثلاث منها في جنوب السودان، بما يعني أن عدد المديريات أو الأقاليم في سودان اليوم بعد خروج الجنوب لا يتجاوز ستة أقاليم كما أشرت إلى أن بلادنا باقتصادها الضعيف لا تحتمل الحكم الفيدرالي بشكله الحالي، والذي يحتاج إلى إمكانات هائلة، وأعتبر القرار الذي اتخذ بشأنه قفزة (مجنونة) في الهواء سيما وأنه أداة تمزيق وتفتيت، وليس توحيداً وتعضيداً في بلاد حديثة التكوين تمور بالصراع القبلي والإثني والجهوي وتضعف فيها الهوية الوطنية الجامعة.

العجب العجاب أن ضباط المجالس في الأيام الخالية وبإمكانات هزيلة كانوا يحلون محل المحليات القائمة حالياً .. تلك المحليات التي تعتبر حكومات كاملة الدسم تصرف ببذخ وترهق كاهل المواطن بالجبايات حتى توفر مطلوباتها الكبيرة، مما قلل من الخدمات الأساسية وجعل المواطن يئن تحت وطأة أعبائها الكبيرة.

أقول إنه إن صعب إجراء تعديل جوهري يُعيد الأقاليم الستة كبديل (للخرمجة) الفيدرالية الحالية، فما أقل من أن يقلل عدد المحليات إلى خمس لكل ولاية، وقد ذكرت خلال الاجتماع أنه إذا كانت ولاية الخرطوم التي تستوعب ربع سكان السودان بها سبع محليات، فإن الولايات الأخرى ينبغي أن تكون دون ذلك، ولستُ أدري ما المشكلة في أن تكون المحلية ذات مساحة كبيرة إذا كانت المعتمديات تعج بعربات الدفع الرباعي التي تنهب الطرق مهما كانت درجة وعورتها وصعوبة تضاريسها؟!

مما قلت تعضيداً لحديث الرئيس عن اعتزامه الاهتمام بترشيد الصرف الحكومي إنه يجب أن يؤكد على إنفاذ شعار ولاية المالية على المال العام من خلال إخضاع جميع الوزارات والمؤسسات والأجهزة الحكومية لسلطان تلك الوزارة، بحيث يخضع الجميع بالتساوي لسلطان الأجهزة الرقابية خاصة المراجع العام وتنزع أسنان مراكز القوى التي ظلت عبر السنين تفعل ما تريد بدون رقيب أو حسيب، وتُجنّب المال العام وتكنزه وتبذره في إقامة المنشآت المترفة، بل وتتبرع به للفقراء والمعدمين من الوزارات والولايات الفقيرة التي تشكو بؤس الحال والتي لا تقوى حتى على توفير خدمات التعليم ويفترش تلاميذها الأرض في فصول من القش!

تحدث الرئيس عن الفساد ووعد بمكافحته وليته يعجل بإنفاذ قانون الشفافية ومكافحة الفساد الذي أجيز من قبل المجلس الوطني في يناير 2016م أي قبل ما يقرب من ثلاث سنوات! وأعجب أن يحدث ذلك بل أستغرب أن يصدر قانون يؤكد ويعمل على ترسيخ طهارة الحكم ولا يُفعّل لعدة سنوات!

تحدث الرئيس عن إصلاح الخدمة المدنية التي لو كان الأمر بيدي لأحضرت خبيرًا أجنبياً يتولى أمر إصلاحها على مستوى جميع الوحدات الحكومية في المركز والولايات، وأرجو ألا تندهشوا فما عادت الجنسية تحول دون الاستعانة بالأجنبي ودونكم أوروبا وأمريكا التي تشغل العقول الأجنبية فيها أعظم المواقع ولا أجد سبباً لاستقدام لاعب كرة القدم الأجنبي وعدم توظيف الخبير الأجنبي في مواقع أكثر أهمية.

الحديث ذو شجون، والإصلاح ميسور لو توافرت الإرادة السياسية والجدية التي أشعر أننا موعودون بها في مقبل الأيام إن شاء الله.

الطيب مصطفى – الصيحة

Exit mobile version