تحقيقات وتقارير

تقرير الزراعة الآلية حول خسائر المبيد.. جدل بين الوزارة والهيئة!!


*مدير عام وزارة الزراعة بالقضارف: التقرير المُعد من هيئة الزراعة الآلية لم يشمل كل المناطق المُتضرِّرة.. والنيابة ألزمت وزارة الزراعة بإعداد تقرير آخر يشمل كل المُزارعين
*الزراعة بالقضارف: الشركة لم تُبلِّغنا بالعملية.. والرش بطائرة يحتاج لتَصريحٍ من الوزارة

تحصَّلت (السوداني) على تقريرٍ صادرٍ من هيئة الزراعة الآلية بولاية القضارف حول تقييم الضرر الذي لحق بمشاريع زراعية في المنطقة الجنوبية بالقصارف، يملكها حوالي (32) مُزارعاً تضرّروا من مبيد (تتشداون) والذي تسبّب في تلف محاصيل (الذرة والسمسم وزهرة الشمس)، بعد قيام إحدى الشركات الأجنبية المُستثمرة في مجالات المَحاصيل النقدية بعملية رش بواسطة إحدى الطائرات الزراعية.

أرقام تفصيلية

أول ما قَامت به لجنة تقييم الضَرر التي شَكَّلتها هيئة الزراعة الآلية هو زيارة ميدانية للمنطقة الجنوبية بالقضارف، وبَعدها أكّدَت اللجنة أن ّشركة “قلوب” قد قامت برش مساحتها المَزروعة قطن (r-r) بمبيد تتشداون (الدمار الشامل) بواسطة طائرة رش مِمّا نتجت عنه أضرارٌ على المساحات المزروعة بمحاصيل زهرة الشمس، الذرة السمسم، الدخن، الفول السوداني، للمشاريع المجاورة، وورد التقييم حسب التقرير أنّ الضرر الذي أصاب محصول الذرة (٦,٠٨٩) فداناً بنسبة ضَرر بلغت (٩٠%)، وتضرّر محصول زهرة الشمس بمساحة قدرها (١,٣٣٧) فداناً، بنسبة ضرر بلغت (١٠%)، وتضرر محصول السمسم بمساحة قدرها (٩٢٧) فداناً وبلغت نسبة الضرر (٩٥%)، وتضرر محصول الفول السوداني (١٥) فداناً نسبة الضرر (١٠٠%)، وتضرر محصول الدخن بمساحة (٣٨) فداناً بنسبة ضرر بلغت (٩٠%).. وحسبما أورد التقرير فإنّ المساحة الكُلية المُتضرِّرة بلغت (٨,٤٠٦) أفدنة.

نوع الأضرار

وأشار التقرير إلى أنّ الضرر الواقع على مَحصول السِّمسم كان عبارة عن إصفرار في القمة النامية، أما محصول الذرة بجملة المساحة المُبلِّغ عنها الأضرار عبارة عن موت المحصول بأكملهِ، أمّا محصول الفول السوداني فكانت الأضرار عبارة عن إصفرار الأوراق في المحصول، أما محصول زهرة عباد الشمس فتمثَّل الضرر الواقع عليها في بقعٍ صغيرةٍ على سطح الأوراق، ما عدا محصول الدخن فكانت الأضرار موت المحصول بأكملهِ.. وحسبما أكّد التقرير فإنّه كلما كانت نسبة الإصابة بالمحصول أكثر من (٦٠%) فهذا يعني أن المساحة المُتضرِّرة ليست ذات مردود إنتاجي في نهاية الموسم مِمّا يعني أنّ المُزارع سيعيد زراعة المساحة بأكملها دُون جدوى.

وزارة الزراعة تُوضِّح الحقائق

وتقول مدير عام وزارة الزراعة والغابات والري ولاية القضارف نفسية نوح محمد موسى لـ ( السوداني)، إنّ الوزارة وردت إليها شكاوى من المُزارعين بأنّ شركة “قلوب” قامت برش مبيد أصاب مساحاتهم المزروعة بالضرر، وأضافت أنها ذهبت ضمن لجنة وزارة الزراعة للوقوف على حجم الضرر والمساحات، مُبيِّنةً أنّ الوزارة تأكّد لها ضرر المُزارعين في المَحاصيل الزراعية المُتمثلة في إصابة مَحصول السِّمسم الذي قَضَى على القِمّة النّامية، ومَحصولي الذرة والدخن، وأنّ زهرة الشمس أُصيبت ببقعٍ سوداءٍ في الأوراق، ولفتت المدير أنّ التقرير المُعد من هيئة الزراعة الآلية وهو ضرر مساحة (٨,٤٠٦) أفدنة لم يشمل كل المناطق المُتضرِّرة، بل أنّ وزارة الزراعة ألزمت من قبل النيابة بإعداد تقريرٍ آخر يَشمل كل المُزارعين، مُنوِّهةً إلى أنّ التقرير الصادر من هيئة الزراعة الآلية بعدد المُزارعين الذين دوّنوا بلاغات ضَرر بالنيابة، وأنّ النيابة ألزمت الزراعة الآلية بزيارة المناطق للتّأكُّد من حديث المُزارعين.

مُخالفة صريحة

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل أبلغت شركة “قلوب” الوزارة بنيّتها للقيام بحملة رش بالطائرة؟ والإجابة حسبما قالت مديرة عام وزارة الزراعة بالقضارف نفسية نوح محمد موسى (لا)، مُؤكِّدةً أنّ الشركة لم تُبلِّغ الوزارة بأنّها سوف تقوم بعملية الرش بطائرة، وأنّ الوزارة علمت ذلك من شكاوى المُزارعين، مُشيرةً إلى أنّ المُبيد مُصَرّحٌ به من الوزارة، لكن المُخالفة تمثلت في أنّه عند الرش بالطائرة لا بُدَّ من أخذ تَصريحٍ من الوزارة، ولفتت إلى أنّ شركة “قلوب” هي شركة مُنفِّذة لتقديم الدعم لصغار المُزارعين المُستهدفين الذي يُموَّل بواسطة الاتحاد الأوروبي، والمنفذة منظمتا (زوا وزينب)، وأنّ شركة زوا أجنبية، وزينب شركة وطنية، ونوّهت نفسية إلى أنّ وزارة الزراعة تَسعى لتشجيع المُستثمرين الزِّراعيين وعلى استعدادٍ تامٍ لتوفير الدّعم فيما يَتَعَلّق بمصلحة مُواطن الولاية.

يوم الزيارة

ويقول عضو لجنة تقييم الضرر بالزراعة الآلية صلاح الدين مُحمّد أحمد لـ (السوداني)، إنّ الوفد تكوّن من ثلاثة أشخاص معه إبراهيم محمود سابح ومحجوب قسم السيد، وأضاف: ذهبنا لمناطق الضرر، وأكّد الرجل أنّ نسبة الضرر كبيرة حيث تَعرَّض مََحصول الذّرة لحريقٍ واسعٍ، وأنّ محصولي السمسم وزهرة عباد الشمس أدى المبيد للقضاء على (نوارتيهما) وهي أعلى السنبلة وتمثل الأزهار، وأكد الرجل أنّ وجود الضرر وحسب قوله (الضرر صحيح وشفتو بعيوني).
من جانبه، أوضح محجوب قسم السيد لـ (السوداني)، أنّ أكثر المناطق تأثُّراً هي التي تحد موقع الشركة شمالاً، وأنّ شركة “قلوب” استخدمت مبيد الدمار الشامل الذي أصاب محصول الذرة في سيقانها وأدى لحرقها، ومحصولي السمسم وزهرة عباد الشمس في القمة النامية وأدى للقضاء عليهما، مُشيراً إلى أنّ الوفد زَارَ مناطق الضرر مُنتصف أغسطس الماضي.. والآن المُزارعون في انتظار التعويض الذي يُحَدّد بواسطة الأجهزة القضائية والعدلية.

(فشّ الغبينة)

وأجمع عددٌ من المُزارعين من الذين دَمَّر المبيد محاصيلهم في حديثهم لـ (السوداني)، أنّ المساحة المُتضرِّرة بلغت جُملتها (25) ألف فدان، منها (15) ألف فدان تعرَّضت لتلفٍ كاملٍ، وأنّ محصول الذرة لم يبق منه شَيءٌ (يفِش الغبينة) – على حدِّ قولهم – حيث قاموا بإعادة حرثهِم من جديد مُتحسِّرين على ضياع محصول السمسم الذي لن يتمكَّنوا من إعادة زراعته نسبةً لفوات الأوان.

وشدَّد المُزارع “هارون”، على أنهم يطالبون الشركة التي تسبّبت في تلف محاصيلهم بتعويضٍ مُجزٍ وبأسرع ما تيسَّر، ورداً على وصف الطيَّار لهم بالجهلاء؛ قال إنَّ المُزارعين بمنطقة (الكفاي) على علمٍ تامٍ بكيفية طرق إنجاح العملية الزراعية ومعظمهم خريجون جامعيون، وأنّه شخصياً تخرج في كلية الهندسة، ولذلك فإنّهم كمُزارعين عندما تحدّثوا عن الأضرار التي أصابت محاصيلهم كانوا يدرون تماماً ما يقولون.

انتشار أمراض الحساسية

وعن الكيفية التي وَصَلَ بها المبيد إلى أراضيهم قال المُزارع بدر الدين لـ(السوداني)، إنّ أراضي شركة “قلوب” تتوسّط المساحات المُتضرِّرة وترجع أسباب الضرر إلى انتقال المُبيد للمساحات المُتضرِّرة بسبب الهواء.. الرجل يُؤكِّد أنّه يُعاني هذه الأيام من حساسية كغيره من مُواطني سكان المنطقة عامة، منوهاً إلى أن الضرر لم يقتصر على النبات، بل شمل الإنسان والحيوان خَاصّةً الإصابة بالحساسيات، وطالب بإيقاف نشاط الشركة لأنّها بعد إيقاف الرش من قبل السلطات تمادت مرةً أخرى في استئناف الرش حتى تم إيقافها للمرة الثانية، ويمضي بدر الدين بقوله: إنّ منطقة (الكفاي) تعتبر من أجود مناطق السودان على مستوى الخصوبة.

الجهاز التشريعي على الخط

من جانبه، أكد عضو المجلس التشريعي بالقلابات الشرقية الدائرة (23) بولاية القصارف أحمد محمد نور الدين لـ ( السوداني) أنّه كان شاهد عيان على الضرر الذي لحق بالمُزارعين بمنطقة (الكفاي)، وأنّ نسبة الضرر أكثر من (80%)، وأنّ المناطق التي شملها الضرر بـ (الكفاي) شمالاً حتى منطقة (صنون)، وجنوباً حتى (سبوت)، وشرقاً حتى منطقة (أم سنيبرة)، وأوضح نورالدين أنّ المجلس التشريعي بولاية القضارف لم يُناقش قضية المُزارعين المُتضرِّرين من الشركة نسبةً لانشغالهِ بقضية المتأثرين بمناطق فيضانات منطقتي (الخزانة والمفازة)، وأردف الرجل أنّ الضرر الذي لحق بالمُزارعين أدّى إلى تهجيرهم لمناطق تعدين الذهب وحسب قوله (ما فضَّل ليهم شيء يحرسوهُ)، وأكد الرجل أنّ الشركة تعاقدت مع الولاية لخمس سنوات، مضى منها (3) سنوات وتبقت سنتان، وعاب الرجل على اللجنة الزراعية بالمجلس التشريعي عدم قيامها بالدور المُناط بها واتّهمها بتهميش قضية المُتضرِّرين، مُشيراً إلى أنها لم تقُم بزيارة مناطق الضرر والوقوف عليها، بل اكتفت بقولها للمُزارعين إنّ القضية خرجت من اختصاصها والآن في قبضة القانون والقضاء وفي انتظار الفصل فيها.

اللجنة تُبرِّر

من جهته، نفى رئيس اللجنة الزراعية بالمجلس التشريعي في القضارف وليد حسن علي ورود بلاغات لهم بسبب المُبيد الذي أطلقته طائرة الرش بمنطقة (الكفاي)، وأضاف في حديثه لـ (السوداني) أنّ المُزارعين قاموا بفتح بلاغات بعد اكتشاف الضرر ولم يخبروا اللجنة الزراعية بالمجلس، وأشار إلى أنّ لائحة المجلس التشريعي تنص على أنّ القضايا التي تصل النيابة تمنع المجلس من الدخول فيها، ونوّه إلى أنّ فتح البلاغات أدّى إلى تَعقيد القضية رغم أنّ اللجنة الزراعية كان يُمكنها حل المشكلة والوصول إلى تسوية يرضي بها الطرفين، ورداً على سؤال عدم ذهابهم لمناطق الضرر؟ أجاب: إن المُزارعين لم يخطروهم بالضرر وقاموا باختصار السِكة وهو فتح البلاغات، وأكّد دور اللجنة وسعيها لحل القضية، مُشترطاً وحدة المُزارعين لتسهيل المُهمّة للطرفين بحيث يكون الشركة طرف المتهم، والمُزارعون طرفاً يمثلهم لحلها والوصول إلى تسويات للطرفين.

القضارف: اليسع أحمد
صحيفة السوداني.