حوارات ولقاءات

رئيس وزراء حكومة الانتفاضة بروف”الجزولي”:المعارضة في السودان غير قادرة على الضغط على النظام لإصلاح الواقع السياسي


لا بد من (غربلة) هذه الأعداد الكبيرة من الأحزاب.. وعندما أجريت انتخابات 1986 تبخر معظمها ولم تجد لنفسها تمثيلاً لدخول البرلمان

الساحة السياسية حبلى بأحداث ساخنة على مختلف الأصعدة والاتجاهات، وعلى رأسها جمع مفاوضي فرقاء دولة جنوب السودان وما تمخض عنه من توقيع على اتفاقات في القضايا المطروحة على مائدة التفاوض وكذلك قضايا الانتخابات والدستور التي تشغل الرأي العام، بجانب قضايا أخرى تناولتها (المجهر) في حوار شامل حول الراهن السياسي، مع رئيس الوزراء الأسبق البروفيسور “الجزولي دفع الله”.

{ دكتور “الجزولي”.. في البدء كيف تقيّم المشهد السياسي الراهن والذي يحمل بين طياته العديد من القضايا التي تشغل الرأي العام؟
– الحديث عن المشهد السياسي ذو شجون ومتعدد الجوانب، ونستطيع أن نقول وبصورة عامة إن المشهد السياسي شديد التعقيد ولكن لا بد أن أوضح هنا أن خطاب الوثبة الذي قدمه رئيس الجمهورية كان قد فتح المجال واسعاً، وكانت خطوة جديدة يمكن أن تحقق وحدة وطنية إذا ما أحسن استغلاله استغلالاً جيداً، وأنه يمكن أن يفتح المجال واسعاً لعمل سياسي يجمع جميع أبناء الأمة السودانية الذين يعارضون سلماً، وحتى حملة السلاح، مع الذين يديرون الحكم تحت سقف واحد.

}هل حقق الحوار الوطني أهدافه؟
-الحوار الوطني خرج بالعديد من التوصيات ولكنه مع ذلك لم ينقل السودان مما كان عليه إلى وضع جديد، وبالتالي فقد ظل المشهد السياسي في حالة ركود منذ ذلك الوقت، لا حكومة قدمت جديداً ولا معارضة استطاعت أن تقدم حراكاً في المجتمع، فأصبح الوضع في تدهور خاصة في الأوضاع الاقتصادية، فالحصول على رغيف الخبز قد أصبح هم المواطن الأول.

{ الحديث عن إجراء انتخابات 2020م، أخذ حيزاً كبيراً وهنالك ردود أفعال متباينة، فكيف تنظرون إلى هذا الأمر؟
– الانتخابات تعتبر سمة من سمات الأنظمة الديمقراطية وأن العملية الانتخابية هي عملية متكاملة وآخر محطاتها وضع خيار الشعب في صناديق الاقتراع، ولكن ينبغي أن تمهد لهذه

الخطوة الأخيرة ولابد من الاستقرار السياسي وكذلك لا بد من أن تكون هنالك خطة انتخابية مرضياً عنها ومقبولة لكل السياسيين بكافة أطيافهم.

{ هناك جدل حول قانون الانتخابات؟
-قانون الانتخابات وإجراء العملية في حد ذاتها يجسد حلم السودانيين بإجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة وشفافة تعكس الواقع السياسي السوداني، فإذا توفرت كل هذه الشروط فلا اعتراض على إجراء الانتخابات باعتبارها سمة من سمات الديمقراطية والتي جوهرها تبادل السلطة سلمياً.

}السودان كبلد عريق لم يستقر حتى الآن على دستور دائم منذ الاستقلال، كيف تفسرون ذلك؟
– هذا صحيح لا بد أن يكون هنالك دستور دائم للسودان، وهذه تعتبر ضرورة ملحة، باعتبار أن الدستور هو الأساس الذي تقوم عليه الديمقراطية، ولا بد أن يكون الدستور معبراً عن إرادة

الأمة السودانية وأن ينال موافقة القوى السياسية السودانية وأن لا تضعه حكومة أو جماعة بعينها وإنما تضعه جمعية تأسيسية تنتخب انتخاباً حراً شفافاً ونزيهاً، ولكن المشكلة الحقيقية ليست في عدم وجود دستور دائم، وإنما في تطبيق ما يرد في هذه الدساتير.

الجزولي دفع الله

}كيف تقيم دستور البلاد الحالي؟
– مواد الدستور الحالي إذا ما طبقت فإنها تضمن للسودان حياة ديمقراطية كريمة، ولكن العلة في الإرادة السياسية التي تلتزم بتطبيق مواد الدستور، وهذا يتطلب مشاركة الجميع في وضع الدستور بأسس مطلوبة ومرغوبة في وطن يحتاج إلى جهد جميع أبنائه.

{ تحدثت عن أن تجربة الممارسة الديمقراطية قد فشلت في السودان ولم تكن بالصورة المرضية…؟
– مقاطعاً.. لا أعتقد أن تجربة الممارسة الديمقراطية فاشلة ولكن أستطيع أن أقول إن الديمقراطية طريق طويل ومتعرج وليس هنالك نظام ديمقراطي يوضع في أرفف المتاجر، يمكن أن يؤخذ ويطبق، وإنما أصف الديمقراطية (بقطعة القماش)، فلا بد أن تكون بمواصفات خاصة يفصلها كل شعب على مقاسه.

}ماذا تقصد بالمواصفات الخاصة؟
– أقصد تبادل السلطة سلمياً والشفافية والعدالة الاجتماعية واستقلال القضاء وحكم القانون ومحاربة الفساد، ولكن اعترف بأن تجربة الممارسة الديمقراطية شابتها عيوب أو كانت بها عيوب ولكنها كانت في كل مرة تتعلم من أخطائها، فلو سمح لها الزمن أن تسير في الطريق، لأصلحت أخطاءها، ولكن لسوء الحظ أن الانقلابات العسكرية والعقائدية سرعان ما تنقض عليها وتعرقل سيرها ولا تكتفي بذلك، بل تخترع أنظمة تطلق عليها النظام الديمقراطي وتقوم بتفصيلها على مقاسها هي.

}بروف “الجزولي دفع الله” عاصرت عدداً من الحكومات منذ الاستقلال، كيف تقيمون مسيرة هذه التجارب في مختلف عهود حكم السودان؟
– هنا لا بد أن أوضح أنه في كل مرحلة من مراحل السودان الحديث لم يعطَ الشعب السوداني حزباً واحداً أغلبية تمكنه من الحكم منفرداً في الفترة الأولى لحكومة “الأزهري” بعد استقلال السودان، أما الحكومات التي قامت بحكم السودان كانت كلها حكومات توافقية سواء أن كانت ذات قاعدة عريضة أو كانت محدودة، أما حكومة الوفاق الوطني التي انبثقت عن الحوار الوطني، فلم تمثل إجماع الأمة السودانية أو على الأقل كل قوامها السياسي.

}كيف تفسرون ظاهرة تعدد الأحزاب التي وصلت لأكثر من مائة حزب وهي بكل هذا الزخم، وهل استطاعت أن تقدم عملاً ملموساً للمجتمع على أرض الواقع؟
– ظاهرة تعدد الأحزاب ليست شيئاً جديداً في السودان، وأذكر هنا أنه بعد انتفاضة أبريل، كان هنالك حوالي ستين حزباً سياسياً، ولكن عندما أجريت انتخابات عام 1986م، تبخرت معظم هذه الأحزاب ولم تجد لنفسها تمثيلاً شعبياً يمكنها من دخول البرلمان.
وفي رأيي أنه لا بد من (غربلة) هذه الأعداد الكبيرة من الأحزاب، وذلك من خلال انتخابات حرة ونزيهة…

}مقاطعة.. مع تنامي عدد الأحزاب فقد ظلت تعاني معظمها من التشرذم والانشطار؟
– نعم هذا صحيح، وأعتقد أن انشطار الأحزاب وتشرذمها دليل على عدم وجود مبادئ في الممارسة الديمقراطية الراسخة التي تجمع بين أعضائها وتحول بينها والتفكك، وأن هنالك عوامل أخرى كثيرة أدت إلى جمع قادة هذه الأحزاب وهي التي تفرقهم أيضاً.

{ كيف تنظر للانتماء السياسي وسط الشباب خلال الأعوام الأخيرة؟
-إن التجربة السياسية في الواقع السوداني الحديث ومنذ الاستقلال وحتى الآن وخاصة في الأعوام الأخيرة من عمر الاستقلال، لم تكن جاذبة للشباب ولم تمثل أنموذجاً يصبون إليه، لأنه لم يرضِ طموحاتهم.

}هل توافقني الرأي بأن المعارضة السودانية ضعيفة ولم تستطع إصلاح الواقع السياسي، فهي تتحدث عن أماني وأحلام ولا تستطيع أن تحققها من خلال الممارسة على أرض الواقع، وهي أيضاً في حد ذاتها تعاني من التفكك والتشرذم؟
– هذا صحيح، فالمعارضة في السودان ليست قادرة على الضغط على النظام لإصلاح الواقع السياسي السوداني، كما أنه ليس لها برامج مقنعة يمكن أن تقدمها للشعب حتى يلتف حولها، ولا يرى الشعب السوداني أن هذه المعارضة تستطيع أن تحدث تغييراً في الواقع السياسي السوداني.

}الوساطة السودانية لعبت دوراً كبيراً في جمع الفرقاء من دولة جنوب السودان ومن خلال استضافة الخرطوم لمفاوضات السلام، كيف تنظرون لمساعي السودان في رأب الصدع بين الفرقاء الجنوبيين؟
– دور السودان في جمع الفرقاء الجنوبيين الذين توصلوا لاتفاق سلام، يعتبر خطوة موفقة جداً، لأن السلام في الجنوب أمر ضروري، كذلك السلام في السودان بالرغم من أن الانفصال قد كان من خيارهم.
والروابط التي تجمع الشعبين في الجنوب والسودان ما زالت قوية ومتعددة وقد عادت أعداد كبيرة من الجنوبيين بعد أن تركوا السودان بمحض اختيارهم، ولكن أود أن يبذل جهد مماثل في السودان لجمع الأطراف السياسية المختلفة حتى يستكمل السودان السلام والوحدة الوطنية.

}كيف تقيمون اتجاه الدولة لمحاربة الفساد والقبض على (القطط السمان)؟
– الحديث عن وجود فساد لم ينجم عن فراغ، فلا بد أن تكون هنالك أسباب لوجود هذا الفساد سواء أسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وعندما يقال إن في السودان فساداً، فهذا ليس حديث المعارضة وحدها، وإنما حديث النظام الحاكم الذي أقر بذلك وأنشأ مفوضية لمحاربة الفساد، ولا شك أن ذلك يعتبر خطوة للأمام إذا وجدت الإرادة السياسية التي تطبقها على أرض الواقع.
ويجب أن لا ينحصر الحديث عن (القطط السمان) وإنما اقتناص (صغار الفئران).

}تحدثت نخب سياسية ومراقبون عن كيف يحكم السودان لنقله لوضع سياسي يرضي طموحات القوى السياسية وتطلعات الشعب السوداني، فمن وجهة نظركم كيف يحكم السودان؟
– في البدء لا بد أن أوضح هنا أن التوصيات التي صدرت من الحوار الوطني، دليل على أن الحوار الوطني ناقش كل قضايا السودان الأساسية، وإلا لما خرجت كل هذه التوصيات، وكان بالإمكان أن تتوصل إلى توصيات محددة لا تزيد عن أصابع اليدين والتي يمكن من خلالها مناقشة قضايا السودان الأساسية…

}مقاطعة.. ماذا تقصد بمناقشة القضايا الأساسية؟
– هي قضية كيف يحكم السودان، وفي نهاية المطاف فإن كل هذه التوصيات التي خرجت من رحم الحوار الوطني لم تدر حول كيف يحكم السودان، وإنما من يحكم السودان، إذن فإن السودان لم ينتقل مطلقاً من خلال هذا الحوار، إذ أن النتيجة كانت التكالب على (كيكة) صغيرة لا تملأ بطن أحد.
أعتقد أننا نحتاج إلى إدارة حوار أوسع وتحت إشراف يستشار فيه الشعب السوداني، وبهذا ستكون هذه الإدارة هي الوسيلة إلى جمع القوى السياسية السودانية خاصة تلك التي لم تشارك في الحوار الوطني، ولا بد أن نضع لها أجندة محددة تحت عناوين واضحة تعبر عن كيف يحكم السودان في إطار من الحرية والشفافية وحكم وسيادة القانون، وأتمنى أن يخرج هذا الحوار الجديد بمقترحات تحليلية واضحة المعالم حول كيف يحكم السودان.
ولعل من الحكمة والعقل أن توكل الحكومة لحكومة مرضي عنها ومقبولة من كل القوى السياسية راجية أن ينقل السودان إلى الوضع المستقبلي الذي نتمناه له خاصة أن انفصال الجنوب وجراحه ما زالت نازفة، ولا نتمنى للسودان أن يتعرض لهزة أخرى، ودعوتنا أن يتوحد أبناء السودان ويتكاتفوا من أجل الخروج من الواقع الصعب الذي هم فيه، إلى وضع أفضل يمكن السودان من استغلال ثرواته الطبيعية الهائلة ومقدرات أبنائه المتميزة في كل المجالات.

أخيراً.. ماذا عن انفتاح السودان على العالم الخارجي ؟
– أعتقد أن علاقات السودان الخارجية تتسم بعدم الوضوح سواء كانت إقليمية أو دولية، وهي كما يبدو بعيدة عن المحاور، ولكن بالرغم من ذلك ،إن الجنود السودانيين يقاتلون في اليمن، إلا ان هنالك عدم وضوح في العلاقة مع المحور السعودي -الإماراتي والمحور القطري -التركي وكذلك العلاقات مع أمريكا، التي رفعت الحصار الاقتصادي وأبقتنا حتى الآن في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأما العلاقات مع جمهورية مصر فبالرغم من الصلات التاريخية التي تربط البلدين، فإن مشكلة حلايب ستظل (شوكة) تعكر صفو العلاقات، ومهما ابتدر البرلمان المصري والسوداني من مبادرات لتحسين هذه العلاقات والبحث عن قواسم مشتركة مثل أمن البحر الأحمر التي تسمح لهما بالعمل المشترك، ولعل الامتحان الأكبر هو في علاقة السودان بالعالم العربي ،وخاصة مع الدول الخليجية، وكذلك الأزمة الاقتصادية الحالية، إذ إن السودان لم يجد الدعم بالرغم من أن أبناءه ، في اطار العلاقة مع هذا العالم العربي، يجودون بدمائهم في معاركه.

حوار – نجاة صالح شرف الدين
صحيفة المجهر السياسي.