رأي ومقالات

(معتز) ونصيحة مَحمديَّة!


-1- قبل سنوات، جمعتنا مناقشة مطولة مع سيدة بريطانية مثقّفة مُقيمة مع زوجها السوداني بالخرطوم.
كانت تتحدث عن ملاحظاتها على الشخصية السودانية وعلى واقع الحياة، سألها أحدنا سؤالاً مباشراً: (هل نحن في السودان نمضي على الطريق الصحيح؟).
صمتت لفترة ثم قالت: (نعم، أنتم في الطريق الصحيح، ولكنكم تكثرون من الأفعال الخطأ).
بعيداً عن جدليات، هل حملت الحكومة الجديدة مفاجآت أم أعادت إنتاج ما هو قديم؟.
كنتُ أتمنَّى أن يتمّ اختيار الوزراء بطريقةٍ تختلفُ عن الحكومات السابقة لاختلاف المهمِّة وطبيعة الظرف القائم، واتساع الأمل في السيد معتز موسى رئيس الوزراء.
الدولة في حاجة لحكومة أزمة رشيقة، لا تخضع للمحاصصات، تدير الأوضاع بصورة مختلفة عن ما كان يحدث في السابق.

-2-
مبدأ اختيار خبير اقتصادي ذي تجربة مختلفة وخبرات دولية واسعة في مجال الاقتصاد توجّهٌ سليم طالبنا به مراراً وتكراراً في عدد من المقالات.
واستشهدنا في ذلك بمقولة مؤسس نهضة سينغافورة الزعيم لي كوان يو الذي قال: (اخترنا دائماً الفرد، أو العنصرَ الأفضلَ لأي مُهمَّةٍ أو واجب، مهما كانت انتماءاتُه أو أصلُه أو دينُه، كنا نهتمُّ بالنتيجة فقط، وكُنَّا نعلمُ تماماً أن فشلنا يعني حروباً أهلية واندثارَ حلم).
وقلنا إن الطاقم الاقتصادي لحزب المؤتمر الوطني لا يملك حلولاً للأزمات الراهنة، بل من الواضح أنه أصبح جزءاً من مُركَّبات الأزمة، بمحدودية خياراته وتخبُّط قراراته، وضعف خياله، ولابد أن يأتي وزير مالية من خارج الحوش التنظيمي.
وأشرنا إلى أن قاعدة اختيار الطاقم الاقتصادي، قاعدةٌ محدودةٌ داخل الحزب، وأغلب من يتعاقبون على المواقع من المجالات المحاسبية، والخلفيَّات المصرفية.
فالتحدِّي الآن أكبر، والمشوار أشقُّ وأبعد، ومتعلِّقٌ بالتوسُّع في الإنتاج، وابتدار الاستثمارات الواسعة، والمقدرة المُبدعة الخلَّاقة، في إدارة الموارد، والتركيز على المزايا التفضيلية للاقتصاد السوداني.

-3-
لا أعتقد أنَّ طريقة اختيار دكتور حمدوك لوزارة المالية وفقاً فقط لسيرته الأكاديمية والوظيفية كان أمراً موفَّقاً.
ليس في ذلك تشكيكٌ في مقدرات ومؤهلات الرجل، ولكن لا أعتقد أن السِيَر الذاتية وحدها كافية لتحديد صلاحية شخصٍ لمنصب محدَّد.
المقوِّمات الشخصية لها دور مؤثر في نجاح شخصٍ ما في مهمة محددة أو فشله، والظروف التي يعمل فيها الشخص تُسهم في محصلة النجاح والفشل.
فتفاعل الكفاءة والمؤهلات مع المكونات الشخصية وظروف المجال الحيوي للعمل كلها تحدد طبيعة المحصلة النهائية.

-4-
ليت المؤتمر الوطني استفاد من تجربة فرق كرة القدم السودانية في اختيار المحترفين الأجانب الذين يحملون أسماء لامعة، وسير ذاتية باهرة، ومقاطع مسجلة لأهدافهم ولكن مع ذلك لا يُحقِّقون نجاحاً في الملاعب السودانية؛ لا لضعف موهبتهم ولكن لعدم مقدرتهم على التأقلم مع الواقع الجديد.
وأفضل مثال لذلك اللاعب النيجيري وارغو الذي جاء للمريخ وهو هداف إفريقيا الأول.

-5-
ما حدث من اعتذار للرجل عن المنصب ما بعد الإعلان يُوضِّح أن اختياره جاء على عجلٍ وتسرعٍ غير محمودين، ودون معرفة شاملة تتجاوز سيرته الذاتية.
فالذي لم يحسم معه أمر تعيينه، لا أعتقد أن الجهات المختارة قد مضت معه لأبعد من ذلك، فوقفت على رؤيته ومقترحاته للعلاج وهل سيتأقلم مع الواقع الاقتصادي الذي غاب عنه لأكثر من ربع قرن؟ أم سيلوذ بالفرار أو سيصاب بهاء السكت؟!!
وأتمنى ألا يكون دكتور حمدوك، الذي تقول قيادات نافذة إنه قد أبلغها موافقته بالمنصب قبل ساعات قلائل من الإعلان، قد قَبِلَ العرض وهو يستبطن الرفض لحساباتٍ تخصه!

-6-
المهم، التوجه نحو الكفاءات السودانية من غير أولي القربى الحزبية والعصبة القبلية للإسهام في البناء الوطني توجه سليم، وكان من الأفضل أن يكون توجهاً عامَّاً وغير مقتصر فقط على وزارة المالية وعلى أسماء محددة يقترحها البعض.
وسيجد رئيس الوزراء صعوبة كبرى في تحقيق نجاح كبير واختراق منتظر إذا لم يخرج من نسق الطرق القديمة في العمل والتفكير.

أتمنى أن يبني السيد معتز موسى جداراً عازلاً بينه وبين من يطالبونه بسرعة تحقيق إنجازات عاجلة وفورية في 400 يوم.
التسرع في تحقيق ذلك ستترتب عليه الكثير من الأخطاء، وإن ظل معتز على الطريق الصحيح.

-أخيراً-
في استضافةٍ لي في برنامج الأستاذ حسين خوجلي جمعتني بالراحل عازف الكمان محمدية، حكى حكمة لطيفة، قال:
(في بورتسودان كنت صبيَّ نجار مع معلّم كبير كان يردِّد لي دائماً: “قيس ألف مرة وأقطع مرة واحدة حتى لا تندم”).

ضياء الدين بلال


‫4 تعليقات

  1. كلام أنشائي لأ أكثر ولا أقل حمدوك أعتزر لانه أنسان مؤهل ونجاح أي شخص يعتمد علي البيئة المحيطة ومدي الاستجابة لطلباتة والكل يعلم أن الحكومة لن تلبي طلباتة لانها ضد منهجيتهم

  2. نتمنى من السيد معتز مراجعة الخدمة المدنية والفساد القابع فيها منذ سنوات

  3. نحتاج لنصيحة الصحافة اولا واخيرا. .. صحافة عشرين عام تطبل مما زاد الطبل طبل طبل طبل .. صحافة لاتشبه الصحافة والحمد لله أن المجتمع مازال يحتفظ ببعض الملامح والا كان المفروض يكون الشعب بلا وعي .. صحافة خارج النص والنص المليان منها كشف سيادته وسافر سيادته ولقاء سيادته .. ولما انسدت اليوم ظهر كم اسد .. اللهم لطفك

  4. اين الصحافة من التحقيق والتقصي وكشف الحقائق للناس ..اين الصحافة من اكتشاف الفساد قبل أن يقع .. اين الصحافة من الاشارة للمصيبة قبل وقوع الكارثة أين الصحافة من الطماطم وعشنا 40 عام بدون صلصة وطنية .. اين الصحافةمن الشعيرية والوطنية الطحنية اين الصحافة من الطعمية ومنظمات الطعمية الطوعية اين الصحافة من العودة الطوعية للمغتربين العاملين بالخارج اين الصحافة من الف مؤتمر بجهاز المغتربين لجذب الخبرات والمدخرات في كافة المجالات .. ونصبح على العلاج بالكي بورد والبخرات ..وقال كرار رواه البحاري اللهم لطفك.