مقالات متنوعة

كبوة وزير


لم يخيب رئيس الوزراء الجديد توقعاتنا حتى الآن بأن فترته لن تكون أفضل من تجارب الإنقاذ الماضية، وأنه لن يقدم ما يشفع له بأحقيته للمنصب، إذ لم يمر على أدائه القسم أكثر من 48 ساعة حتى فاجأتنا السوشيال ميديا بخبر إيقاف طبيبة عن عملها بمستشفى (رويال كير) الخاص، نتيجة تصديها بحكم مهنتها لوجود مرافقين إضافيين اتضح لاحقاً أنهم حرس شخصي لرئيس مجلس الوزراء الجديد (معتز موسى) الذي أتى طالباً العلاج لابنه. وليت الأمر وقف عند هذا الحد، وكرد فعل للهجمة الشرسة التي تعرض لها الوزير من الرأي العام، خرج لوسائل الإعلام بيان من مكتب الوزير، لتوضيح الحقائق كما جاء فيه، ولعل أكبر الأخطاء التي وقع فيها البيان وفيها إدانة للسيد الوزير هي اعترافه بعلاج ابنه (بمستشفى خاص)، وليس مستشفى حكومياً، وفي هذا أكبر دليل على عدم ثقة الوزير بالمستشفيات الحكومية التي يرتادها الملايين من أبناء الوطن، ولعلي هنا أتفق تماماً مع الزميلة النابهة درة قمبو التي تشاركنا الفكرة في آنٍ واحد مع الأفضلية لاتجاهها بالتساؤل المنطقي: ما الذي يجعل المسؤول التنفيذي الأول يخف بطفله لمستشفى خاص والشعب الذي (أوكلوه هو عنه) يستشفي في مستشفيات الدولة التي هو رئيسها التنفيذي؟

ومتى سيتعرف على حقيقة أوضاع المستشفيات الحكومية لو ما جربها (في جلده)؟ فالتصرف المستحق التقدير بالنسبة لي، بل والواجب هو أن يبدأ معتز موسى بنفسه.. يتعالج وأسرته في المستشفيات العمومية، وأن يقوم بإلغاء التأمين الصحي في المستشفيات الخاصة لكل المسؤولين الرسميين وأسرهم، فالشعب (أبو أربعين مليون) المتزاحم في مستشفى أم درمان والخرطوم وبحري، ليسو أعضاء في الجهاز التنفيذي الأعلى، ويستحقون أن يجرب المسؤول العام الكبير حياتهم حتى يقرر التغيير بحق.

هذه هي بالضبط كبوة الجواد الأولى، وتبقى كبوة الجواد الثانية للمسؤول الأهم في الحكومة، استعانته بحرس شخصي لمرافقته في تحركاته حتى على المستوى الشخصي جداً منها، ولنا أن نسأل كم يكلف وجود هذا الحرس خزينة الدولة من رواتب ومخصصات وبدلات وهو الوزير الذي جاء خصيصاً بغرض (استعادة رشاقة الحكومة وإزالة ترهلها).

ولعلي أذكر هنا أني تناولت ظاهرة (الحرس الشخصي للمسؤولين السودانيين)، وإزعاجهم المستمر للمواطن في الشارع وفي مرافق الدولة والمناسبات التي يُشكل فيها المسؤول (أبو حرس) عبئاً ثقيلاً على أصحاب المناسبة حتى يصنَّف بأنه من فئة (الضيوف غير المرغوب فيهم).
وهذا يقودنا لسؤال بديهي، لماذا يعتمد معظم من تبوأ منصباً رفيعاً أو أصبح صاحب قرار، وقبل أن يجلس على كرسيه أو يتفهم طبيعة عمله، يحيط نفسه بـ(جيش جرار من الحرس) إحاطة السوار بالمعصم؟ هل يكون ذلك لزوم (التقليد) غير المحمود أم إيجاد فرص عمل لأهله أو أقارب حرمه المصون؟ ولماذا لا ينتبه ذات المسؤول لكونه أصبح (خميرة عكننة) في كل الأماكن والمناسبات التي يوجد بها عندما يأتي ومعه هذا الجيش الجرار من الحرس وبقية البطانة؟
المطلوب إعادة النظر في مثل هذه البروتكولات والتي تصنف بأنها محاولات لاستعراض العضلات وإثبات الشخصية ليس إلا، وإيقاف هذا الصرف البذخي من مرتبات وحوافز وسيارات وأسلحة لهذه الجيوش الجرارة من (بودي قاردز)، فالشعب السوداني مسالم بطبعه، ولم يحدث أن سمعنا بحوادث اغتيالات لمسؤولين أو حتى مجرد محاولات اغتيال.

لذا فتحكيم العقل مهم، والبعد عن عروض تكبير الكوم بين المسؤولين مطلوب، وتغيير (الأساليب البروتكولية العقيمة)، والاستغناء عن هذه الفكرة من الأساس خاصة (المسؤولين الذين لا مسؤوليات لهم) هو أفضل، فيكفي ما يتم صرفه على الزوجات والأقارب والأبناء من مال الشعب السوداني السايب.

بلا حدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة


تعليق واحد

  1. الحكومة السابقة أخذت وقتاً طويلاً من الوثبة الأولى إلى الوثبة الثانية إلى الوثبة الثالثة أما هذه الحكومة وصلت بسرعة إلى الكبوة الأولى ووصلت الكبوة الثانية