تحقيقات وتقارير

الاتجار بالبشر… مآسٍ إنسانية (عابرة للحدود)


حكايات وقصص أقرب للخيال، يتم تناقلها لنشاط مكثف ومحموم لبعض (سماسرة) الاتجار بالبشر، الذين يتواصلون عبر الهواتف النقالة، يتبادلون خطط أحلامهم السوداء بالثراء السريع بتقطيع جلود البشر.. أو أن يسوموهم سوء الحياة رقاً وذلاً ومهانةً..

حكايات عن فتيات وصبيان في عمر الزهور، من إثيوبيا وإريتريا والسودان،وبلدان أخرى ، يترصدهم المتاجرون بأحلامهم الصغيرة في الهجرة من أوطانهم لوطن بديل يحقق ذاتهم .
خُطف بعض الأطفال من أمام أبواب منازلهم، كما حدث في مدينة القضارف في وقت سابق.. حيث تم القذف به خارج السيارة المسرعة ليتوفى الطفل في الحال مثلما نقلت بعض الوكالات.. ثم خُطف طفل في كسلا ذهب لشراء بعض الأشياء من الدكان.. وكشف أحد الأطفال المختطفين العائدين في تقرير لصحيفة (سودان تريبيون) عن تعرضه للضرب المبرح والتعذيب بجانب (24) شخصاً من جنسيات إريترية وإثيوبية. وذكر أنهم اختطفوا في شهر ديسمبر الماضي وتم ترحيلهم عبر البر والبحر إلى رفح في إسرائيل .
وأشار إلى أن العصابة تتكون من عناصر سودانية وأجنبية وتستخدم سيارات حديثة وأسلحة متطورة مزودة بإضاءة ليلية، وأضاف إن أفراد العصابة كانوا يمنعونهم من أداء الصلوات ويطعمونهم وجبة واحدة في اليوم تتكون من الخبز والجبن فقط، ولا يسمحون لهم بالاستحمام ويتم ربط كل شخصين بقيود حديدية.
عن ظاهرة تجارة البشر القيادي البارز في حركة الأسود الحرة “الفاتح محمود عوض”، قال : إن المجرمين يذهبون بالشخص إلى الصحراء، وهم يمتلكون عربات وثلاجات مجهزة بالأطباء، ويقومون بنزع الكلى وقرنيات العيون وأعضاء أخرى، ويستحلبون الدم.. وهذه أصبحت تجارة رائجة.. والأخطر أنه الآن يتم اختطاف الشباب الصغار في أعمار بين (11) و(14) سنة من الجنسين.

نائب رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في السودان “إسماعيل عمر”،قال: إن جريمة الاتجار بالبشر أصبحت لها أنماط مستحدثة، منها أعمال السُخرة، والتسول المنظم، والاستغلال الجنسي، وتجارة الأعضاء،وأن “بعض القبائل المشتركة على الشريط الحدودي (بين السودان وإريتريا) تمارس الاتجار بالبشر”،وأكثر الجرائم انتشاراً هي: الحجز، والتهديد، وطلب الفدية”.

وقال “عمر” :”إن الإحصاءات والأرقام غير ثابتة، في ظل وجود اختلاف حول القضايا في مرحلة التقاضي، وعدم تحديد ما إذا كانت قضايا تهريب مهاجرين أم قضايا اتجار بالبشر”.
السودان يعتبر مصدراً ومعبراً لمهاجرين غير شرعيين، أغلبهم من دول القرن الأفريقي ولا توجد إحصاءات رسمية بأعداد المهاجرين غير الشرعيين والعصابات التي تنشط في تهريبهم.وتبرر الحكومة هذا الوضع بضعف إمكاناتها مقارنة بالتكلفة الكبيرة لملاحقة العصابات عبر حدودها الواسعة.

الخبير الأمني الراحل “حسن بيومي” في إفادة سابقة لـ(المجهر)، قال: إن تجارة البشر تفقد الدولة كوادرها البشرية وتؤثر بشدة على سمعتها في الخارج، وتخرج الذين هم في طور العمل من دائرة الإنتاج. في منطقة القرن الأفريقي وإثيوبيا وإريتريا والسودان يعيش المواطنون في هلع ورعب يومي.
قضايا كثيرة تتعلق بالاتجار بالبشر أمام المحاكم، و(70 ) قضية تم النظر فيها وفقاً للقانون المحلي، وهو غير رادع وغير كافٍ، وما لم تجد السلطات الآليات الكفيلة بإيجاد تنسيق أمني مشترك مع إرتيريا وإثيوبيا للحد من هذه الجريمة، فإن كارثة كبرى ستحل بالدول الثلاث، حسب إفادة المسؤول السياسي بمؤتمر البجا “صلاح باركوين”، أوضح في حديثه لـ (المجهر) أن ولاية كسلا تقدمت بمبادرة لقانون يحرم الاتجار بالبشر لكن لم ينفذ، معتبراً القضية حساسةً جداً وشغلت الناس كثيراً في كل مناطق الشرق، وقال: إن المواطنين الآن يعيشون في رعب وهلع حقيقي جراء تمدد هذه الظاهرة.

وأوضح “باركوين” أنهم يسعون عبر القوانين والتشريعات للقضاء على الظاهرة نهائياً لأنها تمددت وتكاثرت في ظل ضعف القوانين وتفشي الشائعات.. عازياً الأمر إلى ضعف الرقابة ، موضحاً أن ولاية كسلا تُعد من أكثر الولايات المتأثرة بتجارة البشر، بالإضافة إلى بعض المناطق بولاية البحر الأحمر.
الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج “كرار التهامي” قال: “إن هناك من ينزع للاتجار بالبشر دون معرفة بأبعاد هذه الجريمة”. وذهب الراحل “حسن بيومي” إلى أن ثمة عمليات تهريب لبعض العناصر من قبائل معينة لاستخدامهم “جوكية” في دول الخليج، ويتم التهريب عن طريق البحر، لافتاً إلى أن السماسرة يسلبون أولئك الأشخاص إرادتهم ويجبرونهم على العمل بنظام (السخرة).

وأوضح “بيومي” أن ما يحدث لا يرقى لدرجة الظاهرة، ولا يهدد الأمن القومي. وقال إنها مثل تجارة المخدرات والسلاح، وإن التجار الذين يعملون فيها يتميزون بقوتهم وتمدد نفوذهم و(أياديهم الواصلة) وقد يلجأون إلى القتال من أجل الحفاظ على مكتسباتهم من تلك التجارة غير المشروعة.
عمدت ولايتا كسلا والقضارف الحدوديتان إلى وضع ضوابط لمحاربة الظاهرة والعمل علي محاصرتها، وتفعيل التنسيق الأمني ما بين الأجهزة النظامية والأمنية بجانب توفير الدعم المادي ووسائل الحركة وأجهزة الاتصالات، إضافةً إلى حفظ العلاقة بين دول الجوار من خلال تعزيز الحماية وسط معسكرات اللاجئين ومراقبة الحدود، والقيام بتمشيط ميداني من قبل الأجهزة الأمنية من خلال عمل مشترك في كافة النقاط الحدودية، بجانب تبادل المعلومات مع الأجهزة الأمنية في الأقاليم المجاورة للسودان خاصة دولتي أثيوبيا وإريتريا.
في الخامس من يناير من هذا العام، أصدر والي كسلا “آدم جماع”، قراراً بإغلاق جميع المعابر الحدودية مع دولة إريتريا، وأكدت حكومة الولاية أن إعلان حالة الطوارئ بالولاية يُمثل حالة استثنائية لتمكين وتسهيل عملية جمع السلاح والعربات غير المقننة ومكافحة التهريب والاتجار بالبشر، كما جددت التزامها بمكافحة التهريب والهجرة غير الشرعية، كاشفةً عن خطة تشمل محاور أمنية وقائية وطوافات مشتركة من القوات النظامية على الحدود، بجانب محور قانوني يتمثل في تفعيل قانون مكافحة تجارة البشر (2010م) و(2014م) وعمليات التحري، فضلاً عن قيام نيابة ومحكمة متخصصة لمكافحة الظاهرة ، مؤكدةً أن كل هذه الجهود أثمرت في القبض على عدد كبير من كبار تُجار ومهربي البشر، علاوةً على تحرير عدد لا يُحصي من الرهائن المحتجزين وضحايا الاتجار بالبشر.

تقرير: محمد إبراهيم
صحيفة المتجر السياسي.