الصادق الرزيقي

حمى كسلا..


من يقرأ في شبكات التراسل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام عن المرض الذي ألمَّ بأهل كسلا، يظن أنها جائحة وباء لا قِبل للولاية بها، ولا عاصم منها إلا الله، ولا تحمل الأخبار إلا نبأ المأساة والفاجعة، ويتناقل الناس في الداخل والخارج أخباراً غير دقيقة عن وفيات وأعداد من المصابين لا علاقة لها بواقع الحال، برغم تأكيدات من الجهات المختصة بما يخالف تلك الأخبار المتداولة، وآخرها زيارة وزيرة الدولة للصحة الفريق سعاد الكارب التي وقفت بنفسها على الوضع الصحي في مدينة كسلا وتابعت بنفسها الجهود المبذولة للقضاء على حمى شيكونغونيا، التي يسببها نوع من البعوض يسمى الزاعجة المصرية يخرج من شرنقته حاملاً المرض وتتكاثر أنواع البعوض هذا في المياه الراكدة في مكيفات المياه والأزيار وأماكن تجمعات المياه العادية داخل المنازل والمراحيض وإطارات السيارات القديمة، وعادة ما يظهر هذا النوع من البعوض في مواسم الخريف ذو الأمطار الغزيرة، والحمى التي يسببها تشبه الى حد بعيد أعراض الملاريا، لكنها تسبب آلاماً في مفصل القدم وتستمر لمدة ثلاثة أيام تقريباً وليس لها علاج سوى البندول والمسكنات الأخرى كما أفاد والي ولاية كسلا ووزير الصحة الولائي والجهات المختصة .

> لم تتقصَ وسائل الإعلام بشكل دقيق عن حقيقة هذه الحمى، ويتناقل الناس معلومات متداولة بكثافة من جهات غير مختصة، وأخباراً تكتب على صفحات شخصية في الفيس بوك او على تطبيق الواتس اب، وكان من الأجدى أن يستنطق أو تنطق من تلقاء نفسها وزارة الصحة الاتحادية وإدارة الوبائيات والحشرات التي تتابع مثل هذه الأمراض التي في الغالب تعبر الحدود ولم تكن معروفة وشائعة في السودان، كما أن بث الطمأنينة في نفوس المواطنين واجبة، خاصة بعد أن اتضح بأنه لا توجد وفيات ناتجة عن هذه الحمى وتراجع المترددون على المراكز الصحية والمستشفى في كسلا الى المستوى الصفري، كما تقول التقارير و الإفادات الرسمية.

> المعلوم في مثل هذه الحالات وظهور أمراض غريبة، أن تتضافر الجهود الرسمية والشعبية للقضاء على الأوبئة ومسبباتها بالسرعة المطلوبة واتخاذ التدابير اللازمة والعاجلة لمحاصرة المرض والحشرة الناقلة في المراحل الأولى، وهو جهد يقوم على التوعية أولاً، فالمجتمع يحتاج الى المعلومات والإرشاد في الوقت المناسب والكاف، والسلطات مسؤولة عن توفير المعلومات الإرشادية وقيادة الحملات وإصحاح البيئة وتمليك الرأي العام الحقيقة أولاً بلا إبطاء..
> حكومة ولاية كسلا منذ أغسطس الماضي كما قال الوالي، حكومته سعت الى محاصرة الحمى الغريبة ووفرت الكادر الطبي والعلاج وتحركت مع الوزارة الاتحادية، لكن عدم تقديم المعلومات والتقارير للرأي العام في الوقت المناسب، كان له دوره في انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة من مرتادي الفضاء الإلكتروني وامتلأ المشهد العام بصورة صنعتها هذه الأخبار المنقوصة، عن الحمى دون أن تكون هناك معلومات طبية وعلمية، مع عدم إفصاح السلطات المحلية عن الإجراءات التي قامت بها مثل تعيين (700) عامل للنظافة وإزالة المواعين الناقلة وعمليات الرش الضبابي والقضاء على أطوار الشرنقة لهذا البعوض المزعج.

> الآن بعد أن اتضح أنه لا وفيات، وتراجعت أعداد المصابين، ومحاصرة الحمى التي لم تتجاوز مدينة كسلا لمدن أخرى في الولاية لانتقالها الى ولايات أخرى، ولا صحة لما يتداوله العامة عن التشابه بينها والحمى النزفية المميتة أو أمراض أخرى.
> فإن الجهات الصحية على المستوى الاتحادي والولائي تعمل على مكافحة المرض والقضاء عليه، وتوعية المواطنين بأهمية الوقاية ، وفي مقدمتها إزالة مواطن توالد هذا النوع من الناموس ومحاربته وإصحاح البيئة ونظافة الأزيار ومراجعتها وعدم إهمال مكيفات المياه وصيانتها وهذه أشياء أولية ابتدائية في التوعية الصحية..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة