تحقيقات وتقارير

لا زالت هنالك جثث تحت الأنقاض ترباء بجنوب دارفور … قصة قرية أمطرت جبالها صخوراً


الحادثة تخلف (60) شهيداً وعشرات الجرحى والمفقودين

انزلاق صخور من الجبل بفعل الأمطار على رؤوس المواطنين

معتمد شرق الجبل .. يطلب من محررة (الصيحة) الدعاء

مواطن: هذه الحادثة لم تكن الأولى والوضع (مأساوي)

ناشط : ترباء صارت شبه خالية من السكان

(نحن الآن في الخلاء متجهين إلى قرية ترباء من أجل إفساح المجال لقوات اليوناميد وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والطريق وعر جداً ، أتوقع أن ينقطع الاتصال في أي لحظة، وقبل أن ينقطع الاتصال بيننا طلب مني الدعاء لهم بالسلامة، فالمنطقة توجد بها حركة تحرير السودان والتي تعد غير آمنة )، هذا ما دار بيني وبين معتمد محلية شرق الجبل بولاية جنوب دارفور عبد الرؤوف محمد عبدالله ، فكيف بمواطني تلك المنطقة وهم يعانون من قهر الطبيعة وقسوتها ونيران الصراعات السياسية؟

إحد عشر يوماً بلياليها مضت على كارثة قرية ترباء بمنطقة تاقُلي (بضم القاف)، ولا زالت هنالك جثث تحت الأنقاض ولا معين لهم سوى تلك الأيدي الواجفة من هول الصدمة باحثة بين تلك الصخور الصماء، علها تعثر على يدٍ طفل يقودهم إلى حياته أو يقين مماته، هناك عشرات الجثث والمصابين تم انتشالهم ولا يزال بعض المفقودين يظل البحث جارياً عنهم. فالعمل يتم بصورة متعثرة وطرق بدائية ومجهودات أهلية نسبةً لانعدام الآليات وتتم الاستعانة بالأيدي عبر قلة قليلة من سكان القرى المجاورة، فالقرية صارت خالية تماماً من السكان ولم يتبق منهم سوى من يحمل أملاً في بعض حياة قد تبدأ هنا مرة أخرى، بل ومن الصعوبة بمكان إنقاذ الأحياء منهم، فالمستشفيات تبعد كثيراً عن منطقة الحدث، ويتم الذهاب إليها عبر الدواب أو سيراً على الأقدام لمسافات طويلة لعدم تمكن العربات من السير فيها نسبة لوعورة الطريق هناك.

أخبار متواترة تأتي من هناك وهناك عن عدد الضحايا والمفقودين الذين اختلفت المصادر في أعدادهم ما بين اثنين إلى ثمانية أفراد، ولم ترد حتى الآن على معلومات حول انتشال جثتي خديجة أبكر يحيى وزوجها محمد عبد السلام أبكر ولم يعثر عليهما حتى كتابة هذه الأسطر.

تلك الكارثة التي حلت بالقرية والتي تدحرجت على إثرها كتل جبلية خلال ليلة الجمعة كان سببها غزارة الأمطار التي أدت إلى انزلاق جزء كبير من الجبل وانجرافات صخرية هائلة الشيء الذي دفن القرية بأكملها وقد وصل عدد الذين استشهدوا في هذه الكارثة حتى الآن حوالي 60 شخصاً، ولازال البحث جارياً بينما فاق عدد الجرحى والمصابين حوالي مائة شخص، من أطفال ونساء وشيوخ وبينهم 6 أشقاء من أسرة واحدة.

أيام كثيرة مضت على ما حدث مقارنة بالوضع الكارثي الذي لا يزال ضبابياً، ولايرى منه سوى أرقام الضحايا وهو في تزايد مستمر منذ تلك الجمعة اليتيمة، التي جعلت من سكان قرية ترباء قرباناً لهذا الوضع غير الإنساني.

تفاصيل يوم الحادث

كانت الحياة تسير على ما يرام داخل قرية (طولوم) أو (ترباء) (بكسر الباء) كما يحب أن يسميها أهلها والتي تقع بمحلية شرق جبل مرة في منطقة (تاقلي) بضم (حرف القاف) شمال شرق قرلنبانج التي تتواجد إدارتها الرسمية في دربات وبها حوالي 150 منزلاً و400-500 أسرة يعمل أغلبهم بالزراعة وتجارة المحاصيل

ومنذ أيام قليلة قبل تلك الحادثة ذهب أغلب شباب هذه القرية إلى خارج المنطقة بغرض الزراعة بينما تبقى بالمنازل الشيوخ والنساء وبعض الأطفال يمارسون حياتهم بكل طمانينة حتى نهار الجمعة السابع من سبتمبر حينها أنذرت السماء برعود متتالية، ولكن لم يبلغهم الجبل أو يرسل إليهم أي إشارات بأنه قد أعياه الوقوف أمام أمطار خريف هذا العام.

ولم تمهلهم السحب سوى بضع لحظات إلا وهطلت أمطار غزيرة استمرت لمدة 10 ساعات أو يزيد، كان غالبية سكان المنطقة متوجسين خيفة من غضبة السماء فالمنازل هنالك أغلبها من المواد المحلية، ولكن لم يراودهم أدنى شك بأن الجبل قد أعياه الهطول وصارت مداخل الصخور لينة جداً جراء الأمطار القوية واندفاع المياه، ولكن في غفلة من قلوبهم المطمئنة تجاه تلك الصخور انهارت منها حجارة كبيرة الحجم أدت إلى تغطية القرية بأكملها، ولم يكن هنالك من معين لهم سوى بعض الشباب وسكان القرى المجاورة بالرغم من تباعد المناطق، لكن يبدو أن الانزلاق كان شديداً جعل الكل في حالة هول وفزع وهم يحاولون الهرب من ارتطام تلك الصخور التي كانت تحيط بهم من كل الجوانب، فإذا أنقذتهم الأقدار من صخرة لن تفسح لهم المجال صخرة أخرى.

الوصول إلى المستحيل

إذا كنت حادباً في الحصول على معلومات عن هذه الكارثة، فماعليك سوى ترقب النازحين وهم في طريقهم إلى قريتي (كارا) و(غروة) أو انتظار مرافقي المرضى والمصابين وأرواحهم في الحلقوم واقفة على الباب الأخير من الحياة، أمام مستشفيات نيالا أو كاس وإذا لم تحظَ بلحاقهم إذن أمامك حل أخير، ولكنه قد يأخذ منك كثيراً من الوقت وهو التواجد الدائم في “سوق أم دورور” بالرغم من أنه يبعد كثيراً عن ترباء، إلا أنه لا يخلو من بعض المعلومات المتقطعة من هناك باعتبارها أكثر توفراً من مناطق أخرى.

إذن أن مجرد الوصول لأي معلومات عن حجم الأضرار هو أشبه بالبحث عن المستحيل ناهيك عن الذهاب إلى هناك، فإن من الصعوبة بمكان الوصول إلى تلك إلى المنطقة أو حتى الحصول على معلومات فالمنطقة صارت شبه خالية من السكان وتم النزوح بالكامل، بعد أن ترك البعض منهم أهاليهم تحت الأنقاض، فراراً من تلك الظروف القاسية.

هذا حسب ما أفادنا به الناشط والمهتم بقضايا المنطقة خطاب سيف الدين، أضاف في حديثه للصيحة: إن هنالك بعض المعلومات الأولية تؤكد انقسام السكان إلى جزأين فهناك 300 أسرة قد وصلت إلى مشارف منطقة كارا بينما نزحت حوالي أسرة 150 صوب منطقة غروة بسبب عدم توفر الأمن في منطقة قبو والتي تقع بالقرب من المنطقة المنكوبة، والآن ترباء صارت شبه خالية من السكان وعدد المفقودين فيها حوالي 7 أشخاص، وقال : سيف الدين إن المصابين في أمس الحاجة عاجلة إلى أدوية إسعافية و مشمعات وخيام وأغذية، مؤكداً أن أقرب مستشفى لإسعاف الجرحى تقع في منطقة كاس وتبعد حوالي 4 ساعات عبر السيارات.

طريق الوصول

أما إذا أردت الذهاب من الخرطوم فما عليك سوى التوجه إلى نيالا ومنها إلى منطقة كاس ثم كارا، وأخيراً إلى منطقة غروة التي تقع جنوب شرق الجبل، أما إذا أردت الذهاب عن طريق رئاسة المحلية والتي تقع في دربات فما عليك سوى الذهاب عبر الدواب والحمير في زمنٍ يستغرق 8 ساعات، لأنه ليست هنالك طريقة لعبور سيارات نسبة لوعورة المنطقة.

انعدام للشبكة

تكاد خطوط الاتصال تنعدم تماماً ولأيام متواصلة، حيث تعمل هنالك شبكتا سوداني وMTN والتي تغيب لساعات طويلة وتتوفر في أماكن بسيطة وتنعدم في أخرى، لذا يتطلب الأمر السير إلى مسافات بعيدة للوصول لأقرب محطة شبكة وإجراء اتصالك ، وذلك حسب ما قال الأستاذ جمال عمر إدريس الذي أكد أن عملية الاتصال تتم بصورة متعثرة، وإذا أردت الذهاب فما عليك سوى التوجه إلى اماكن مرتفعة بعينها والتي قد تستطيع من خلالها التقاط بعض الإشارات .

ويمضي جمال واصفاً المأساة مما ورد عليهم من تواتر بعض التفاصيل بأن العمل يتم في شكل نفير من سكان القرى المجاورة من أجل إنقاذ الضحايا من تحت الصخور، الضحايا الذين تقطعت أوصالهم، فبإمكانك العثور على أحدى الأرجل منفصلة أو يد لطفل صغير وربما كف امرأة عجوز، فالجبل غطى على المنطقة بأكملها والصخور الكبيرة كانت هي التي سقطت منذ بداية الكارثة ، ويضيف جمال قائلاً إن المنطقة قد شهدت مجموعات نازحة من منطقة (صابون الفقرُ) وصادف مجيئهم تلك الكارثة التي تسبب فيها تآكل الجبل من الداخل بفعل اندفاع المياه القوي.

ويقول (جمال) إن هذه الحادثة لم تكن الأولى فقد انهار قبل سنواتٍ طويلة (جبل سقره) في مدينة نيالا، واصفاً الوضع بالمأساوي، مؤكداً خلو القرية من المنظمات الرسمية وغير الرسمية، فالجميع هناك في وضع صحي حرج للغاية نسبةَ لعدم توفر العلاج وعدم المقدرة على إنقاذ الناجين يجعلهم سريعاً ينضمون إلى عداد الموتى.

صابون الفقر

تلك القرية التي تقع شرق جبل مرة لم تفلح محاولات أهلها في تغيير واقعها عبر تسميتها بذلك الاسم، ولم تفلح أيضاً محاولات طبيعتها البكر في محو واقعها الأليم فقد كانت تمنح الحياة رائحة الجنة وطعم الموالح الحاذق ولكنها صارت تحمل خياشيم الموت وهي تبتلع كارثة تلو أخرى فقد تركها هؤلاء السكان متوجهين صوب شرق جبل مرة وهم يقطعون طريقاً طويلاً يقدر بحوالي 7 ساعات سيراً على الأقدام و4 ساعات عبر الدواب والحمير من أجل الوصول إلى تربا، باعتبارها إحدى الطرق الرئيسية، ورغم اختيار الكثيرين منهم لهذا الطريق الذي يعد الأكثر أمناً الا أن الموت مضى مسرعاً ليكون في انتظارهم على صخور ترباء التي اقتنصت أرواحهم على حين غرة في الوقت الذي كانوا يأنسون فيه أمناً وطمأنينة…

فيما أضاف الأستاذ عبد الصمد محمد، مؤكداً وجود حركة تحرير السودان بالمنطقة التي تقع في جنوب دارفور محلية شرق جبل مرة، مضيفاً بأن بها حوالي 150 منزلا – 300 شخص، وهم سكانها الأصليون لذلك لم يخطر على بالهم بأن هذا الجبل قد يتحرك في وقت من الأوقات، في الوقت الذي أشار إلى أن هذه الظاهرة قد تحدث في الخلاء بعض الأحيان لكنها لا تعدو سوى بعض الحجارة التي قد يحدث لها تآكل في أطرافها نسبة لعوامل الطبيعة .

وقال الناشط والمهتم عبد الحليم محمود إن السبب الأساسي لهذه المأساة كان بفعل الطبيعة، إلا أن العامل السياسي صار سبباً في ضياع أرواح مواطني تلك المنطقة بعد أن أصبحوا ضحايا للطبيعة والإنسان معاً، الشيء الذي جعلنا نضع جملة من التساؤلات حول مدى إمكانية التعامل مع الكوارث والتي يمكن أن تتكرر مرة أخرى باعتبار أن المنطقة التي تأثرت تقع تحت سيطرة حركة تحرير السودان، كذلك لا تستطيع المنظمات ومجموعات المتطوعين الدخول إلى هناك إلا عبر السماح لهم من تلك الجهات، لذلك وجد هؤلاء المواطنون أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه.

لذلك يجب على الجميع التدخل العاجل دون اعتبار لأي أجندة سياسية والتدخل السريع لمؤسسات الدولة والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية.

وعن مجهودات الحكومة تجاه هذا الوضع الكارثي قال معتمد محلية شرق الجبل عبد الرؤوف محمد عبد الله : بأنه الآن في الطريق إلى هناك والشبكة منقطعة تماماً إلا أنه أكد في مجمل حديثه أن الطريق وعر جداً وهم في طريقهم لإفساح المجال لقوات اليوناميد، مشيراً إلى وجود حركة عبد الواحد، مضيفاً بأن مجموعة من الإعانات عن طريق الأمم المتحدة قد وصلت إلى هناك قبل يومين إضافة إلى عدد من المتطوعين والناشطين قد سبقونا إلى هناك، وعن حجم الضحايا أمن عبد الرؤوف على أن العدد حتى الآن 20 شخصاً حسب بلاغات ذويهم بينما هناك زوجان لا يزالان تحت الأنقاض .

الصيحة : آيات مبارك
صحيفة الصيحة.