منى سلمان

جبر الخواطر


[ALIGN=CENTER]جبر الخواطر[/ALIGN] نحن شعب نتعامل بـ جبر الخواطر ونضع لها ألف حساب في علاقتنا الإجتماعية، فإذا كنت متخما بعد وجبة دسمة وقمت بزيارة فوجدت رؤوس أهل البيت (في المخلاية)، ودعوك لمشاركتهم بالقول:( تعال جاي يا زول .. بسم إللا) فإعتذرت بالشبع وامتلاء بطنك، ألحو عليك بأن (زاد الحبان ليهو مكان) .. وإن كنت في زيارة ورغبت في إنهائها فلن يتأتى لك ذلك دون رضا مضيفك، فأنت محكوم بقانون: (إن قعدتا للحول ما تقوم بي خاطر زول)، وحتى عندما تحمل سوطك وتهم بتأديب ابنك فتنطلق صرخاته نحو عنان السماء (قبال تخت يدك فيهو)، (لابد) من أن (يشب) لك جارك بالحيطة ويقسم عليك بأن: (حرّم ما بتهبشو .. أجبر خاطري وخليهو) فتلك ابسط حقوق جبر الخواطر بين الجيران.
* في واحد من بيوت تلك القرية الوادعة، التي يجمع بين دماء سكانها القرابة والنسب، وبين قلوبهم المودة والمحبة، وتربط علاقات الجيرة والقرابة بينهم برباط (جبر الخواطر) المتين، خرجت (طيبة) من مطبخها للحوش ونادت بصوتها الهادي الحنون على ابنها المنهمك باللعب مع مجموعة من أنداده، تحت ظل الشجرة الكبيرة التي تتوسط الدار:
تعال يا محمد جيب لينا ملوة فحم النكوي جلابية أبوك.
لم يرغب الصغير في أن يقطع لعبه مع رفقائه من أجل مشوار الدكان، فأجابها من بعيد:
قاعدين نلعب يمة .. خلي فايقة التمش.
بطبعها المسالم الوديع لم تفكر (طيبة) في زجره أو مراجعة اعتذاره عن المرسال، وتوجهت نحو الغرفة حيث اندمجت (فائقة) في تغمص دور الأم الرؤوم لـ (بنات اللعاب) خاصتها، وانخرطت معهم في نقاشات أحادية الجانب عن صروف الدهر وهموم المعيشة، وتتفاكر معهن حول ما يفضلن من طعام ويرغبن منها أن تطبخه لهن .. مدت (طيبة) رأسها من خلال الباب ونادت:
تعالي يا فيوقة جيبي لينا فحم من الدكان.
قطعت (فائقة) حوارها الشيق مع بنات اللعاب وقالت لأمها:
رسّلي محمد .. مش أنا مشيت ليك قبيل جبت الرغيف للفطور؟
أسقط في يد (طيبة) فتركت الاثنين وعادت لمطبخها، وانشغلت بمواصلة مهامها ما بين غسل العدّة و(كتل) البصلة ثم (رخي) الخضار في الحلة و(تهبيت) النار تحتها حتى يستوي الطبيخ على مهل ..
على مائدة الغداء التي تجمع حولها العيال، أعادت (طيبة) على أكبر أبنائها (محمد) و(فائقة) طلبها بإحضار ملوة الفحم من الدكان، وأوضحت لهم أن والدهم عندما يحضر من عمله في المغرب سيذهب لمشوار بالجلباب، لذلك طلب منها أن تكويه قبل خروجه في الصباح، وأنذرتهم من غضبه إذا لم يجد الجلباب جاهزا، ولكنهما انشغلا بالتجادل وتحدي بعضهم بعضا في عدم الذهاب .. طلبت منهم (حلا للمشكلة) الاتفاق فيما بينهم على أن يذهب صاحب الدور في المرسال لـ الدكان، ويذهب الآخر في المشوار الذي يليه، ولكن دون أن تنجح في كبح جناح المناكفة والعناد بين (الطريدين)، فحسمت الجدل قائلة:
اقعدوا اتغالطوا كده وبعدين أبوكم لما يجي يقول ما كويتو الجلابية ليه؟ حا أقول ليهو أولادك حلفو ما يترسلو الدكان .. يللا خلوهو اليدقكم أنا ما لي شغلة فيكم !
لم يهتم الاثنان بوعيدها وانطلقا لمواصلة لعبهم بعد انتهاء الغداء، ولكن (طارت السكرة وجات الفكرة) عندما عاد أبوهم قبيل الغروب واستفسر عن جلبابه ليطمئن على جاهزيته للمشوار، فما كان من (طيبة) إلا أن رفعت له أمر (الشمطة) التي دارت في غيابه بين (محمد) و(فائقة) وإضرابهم معا عن مرسال الدكان، التي نتج عنها بقاء الجلباب (مكرفس) حتى الساعة.
امتلأ حاج (محجوب) بالغضب وعمد إلى كومة الحبال التي كان قد تركها البارحة في ركن الحائط، بعد تغيير (جِلاد البنابر) بحبل جديد بدلا عن القديم الذي تآكل وتقطع، سحب منها حبلا وثناه عدة مرات ثم اختبر كفاءة (محطته) في الهواء، قبل أن يتوجه نحو الاثنين .. التصقت (فائقة) بركن الحائط في قلة حيلة ومدت يداها الصغيرتين تتلقى بهن شحطات الحبل دون أن تجرؤ على فتح فمها، ثم انكفت على وجهها في السرير تبكي، بينما اختار (محمد) أن يلوذ بالفرار إلى الشارع بمجرد رؤيته لأبيه يتوجه نحو كومة الحبال .. بعد أن أخذت (فائقة) نصيبها من العقاب انطلق خلف (محمد) للشارع وقد ازداد غضبه عليه لهروبه من أمامه، ونادى على مجموعة صبيان تقف على الناصية: يا أولاد .. امسكوا محمد ده جيبوهو لي جاي.
وصل حاج (محجوب) للناصية مع تمكن الصبيان الذين انطلقوا خلف (محمد) من القبض عليه، من العودة به مسحوبا وهو يرفس برجليه محاولا تخليص نفسه من قبضتهم، ولكنه فوجيء حاج (محجوب) بحاج (اللمين) جاره وابن عمه يتكي على الارض متوسدا كومة رمل أمام داره .. خاف حاج (محجوب) من أن يقوم حاج (اللمين) من رقدته ليمنعه من ضرب الصغير، فالتفت إليه قائلا في غضب قبل أن يرفع يده بالحبل:
علي بالطلاق ما تقوم من مكانك ده !
لم يتحرك حاج (اللمين) ولم يغير رقدته بل قال في هدوء:
ماني قايم من رقدتي .. لكن علي بالطلاق كمان ما بتخت يدك فيهو .. قايل روحك براك البتحلف بالطلاق ؟!!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com


تعليق واحد

  1. هذه قصة حلوة جدا بتعبير دقيق …. وكلاسيكية فى فحواها وهى قصة فلكلورية جميلة اننى الاحظ انك تكتبيين قصص باللهجة التراثية وهذه مسالة جميلة جدا فى السرد وتذكرنى قصص الحبوبات وهى من بطون التراث السودانى اعتقد ان مكوة الفحم هذه فى العصر االحالى اصبحت فى عداد الاشياء التاريخية مع وجود الانواع الحديثة من المكوة الكهربائية بشتى الانواع . عموما ان التعبير جميل لما فيه من عكس لصورة المجتمع التقليدى

  2. لك التحية استازتنا منى@@والله حياتنا حلوة بمرها بحلوها@افتقدنا الايام الذى دى واللعب البرئ والاسرة الحلوة المتكاملة@بس جبر الخواطر عندنا بالدنيا ودى احلى شى فينا@وربنا لا يبتلينا بالبرود الانجليزى ولا الرسميات@@مابنقدر نتعايش معاها@@ربنا يحفظ بلدنا السودان من كل شر وخاصة اوكامبو وامثالو@@وانتى للامام يااستازة منى ربنا يحفظك@

  3. اولاً التهنئة موصولة لكى بمناسبة النجاح الذى حققه ابنك محمد الفاتح ودوام التقدم والنجاح والى الامام دائماً هذا الشبل من ذاك الاسد اقصد اللبوه:lool: :lool: :lool: :lool: :lool: :lool: :lool: :lool: وطبعاً مقالك جميل وهادف وله مغزى رائع ودا حال الشفعة كل واحد بتكل على الاخر وفى النهاية القى ليهو علقة سخنة وجامده وحقو اكون فى جدول عشان كل زول اكون قدر المسولية واتقى شر العلقة ولا رايكم شنو…………………;) 😉 😉 😉

  4. 😎 😎 سلام يا أهل النيلين .. غيابي كان عشان كمبيوتري ضاربو فيروس لاني نسيت اجدد الانتي فايرس بعد صلاحتو انتهت وجبتا لي واحد جديد ما عرفتا اشغلو .. غايتو ربكم يهون لكن الغياب كان فرصة عشان تآمنوا وتبطلوا المكاواة لان نوعية كتاباتي القاطعاها من راسي دي مذكرات أو يوميات بكتب فيها مشاهداتي ومعايشاتي لمحيطي وتفاعلي معاهو فأنا لست بـ الحريفة ولا من اصحاب السوابق في الكتابة .. برلومة يعني .. وكل البعرف اتكلم عنو هو ناسي الحولي اولادي واخواتي وزوجي .. الكلام ليك يا عمي ابو الفاضل .. يعني تبطلوا العنكبة وللا ابطل أنا الكتابة .. شنو ليكم .. بالمناسبة يا ناس الامارات أنا جاياكم اجازة في الاسبوع الجاي .. افرشوا الرملة !! :lool: :lool: :lool:

  5. تذكرت وانا صغير وكان جدى هو البرسلني عشان اجيب ليهو التمباك – الله يرحمة ويغفر ليه – وما حصل قال لأحد تاني يجيب ليهو التمباك غيري من ابناء اولادة بسبب اني مابتاخر وعلى طول ياخد ليه سفة.:cool:

  6. سلام اخت منى
    تسلمى على المقال الرائع ووالله فقدناك كتير الايام الفاتت كل يوم بفتح بلاقى نفس الموضوع القديم انا قلت الزولة دى موضوع الجنائية اثر فيها ولا شنو يعنى متابعة اخبار الجنائية المهم حمدلله على السلامة ومبروك الكمبيوتر الجديد وياريت زيارتك الجاية للسعودية.

  7. كان كده يبقى سماح ،، والحقيقه كان ماكتبت لشى من الخوف على خصوصياتك من الشمشره والشمشارين ( حنيه وكده مش عنكبه كوصفك ) وبس كمان خليها فى حدود ضيقه . والبيوت قالوا ليها حيطان وابواب ، ولا كيف ،، وبقدر سعادتنا بمقالاتك يشهدالله بندعوا ليك برضو الله يسعدك ويخلى ليك وليداتك وابوهم . والاخيره دى ياريت الكل يدعوا ليك بيها ومايقولوا عليك ( بوباره ) ويحسدوك وربنا يحفظك واسرتك من .. ومن.. بتوفيق وسعادة اكيد سنجنى نحن منها مقالات رائعه وحكاوى شيقه ،،، ولك تهنئه صادقه بنجاح ابنك محمد . وهذا الشبل من ذاك الاسد دا الصحيح ولايجوز ( كما ورد بتعليق ) قول ذاك الشبل من تلك اللبوه ( لحفظ المقامات ) وماداير اقول المعانى الشائعه ونافره لذلك الاسم مما يجعل النسب اليه غير مقبول .. ودمتى ،، عمك ابوالفاضل

  8. اختي مني تحياتي نسأل الله ان يديم المحبه بين الناس . ومبروك لابنك بس ما تقومو تعملو ليهو حفل بهذه المناسبة خليهو زي اولاد طبية مدورش دائما

  9. بصراحة لو في شي ” خارب ” تربيتنا نحن السودانيين ما تلاقيهو زي رمي الطلاق بطريقة ” جبر الخواطر ” في اللي يسوا وما يسواش ، عموما الله يهدي اخوانا الجعليين ويسامحهم لانهم السبب في نشر ثقافة ” …هكذا … رمي الطلاق ” .
    مش عارف كأن صاحبة المقال شفتها بجامعة الاسكندرية كلية العلوم ؛ كأنها هي ، ولا أقول يخلق من الشبه اربعين ، وعلى ذكر الشبه ؛ يمكن يكون كمان ” عمر صالح رئيس اسرة كلية العلوم وقتها هو نفسه المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء السوداني الان ام مجرد تطابق اسماء ؛ لربما طول المده من السودان بدت ” تسوي سواتها ” .
    عماد الدين محمد الحسن عثمان

  10. العزيزه منى — تحية واحترام وتقدير
    كتاباتك حلوه وهي عزاؤنا الوحيد من الصباح الواحد يوصل المكتب وكله شوق عشان يقراء حاجاتك التلقائية الحلوه — القصه قمة الروعه ودتنى بعيد — ونشطتى الذاكره — الف الف الف مرحب بيك في الامارات ونفرش الورود من مطار دبي الى برج دبي ده لو جيتي بمطار دبي —— ولو جيتي بالشارقه نفرش الورود من المطار الى بحيرة خالد —– اما لو جيتي بابوظبي —— فنفرش الورود من ابوظبي والى الامارات الباقيه — اها —- شنو ليك —-مرحب بيك — بس كيف التلاقي —

    عفاف – ام احمد دبي

  11. اشتريت انتي فايرس وما عرفتا انزلوا لكن ما اشتريت كمبيوتر جديد .. شكرا على التهاني بنجاح احمد وهو في الصف الخامس ابتدائي والفرحة كانت من تجاوزه للعمليات والمرض ومقدرتو على تقدم دفعته بتفوق كبير .. شكرا تاني لله ولكل من هنانا .. اخت أم احمد أنا جاية مع العيال لابو ظبي في اجازة قصيرة اقضيها مع اختي واسرتها المقيمة هناك وحا نخلي سيد الاسم في السودان عشان يآثر ليهو واحدة جديدة 😎 :rolleyes: 😎 لما نصل هناك بنزل ليكم تلفون عشان اتواصل معاك ومع ان شاء الله