عثمان ميرغني

عندك.. صلعة


[JUSTIFY]
عندك.. صلعة

طرفة سودانية تحكي أن سائق تاكسي يعز ويحترم جداً- أصحاب (الصلع).. لاعتقاده أنه ما أجدب شعر رأسهم إلا كثرة العلم وغزارة العبقرية.. وكلما ركب معه (صاحب صلعة) سأله سائق التاكسي بكل تبجيل: “الدكتور.. بيدَّرس في ياتو جامعة؟؟”..

في يوم.. ركب معه (صاحب صلعة) ألمعية تتلألأ مع بريق الشمس.. سائق التاكسي كان منتفخاً بشرف هذه (التوصيلة) البهية.. كان يكثر من عبارة (سعادتك!) في مخاطبة الراكب الأصلعي المهم.. وبعد أن عبر كوبري أمدرمان لم يتحمل الفضول فسأل الراكب بكل وقار: “البروف.. مدير ياتو جامعة؟”.. الراكب أجابه بمنتهى العفوية: “لا جامعة ولا حاجة.. أنا سمسار في الكرين”.. صاحبنا ضغط الفرامل وفتح الباب وهو يطرد الراكب صارخاً: “أنزل.. كل الصلعة دي.. وسمسار..؟”.

قبل أيام قليلة جاءنا زائر أمريكي.. رجل أعمال معروف.. لا يشك أحد في (رجالة أعماله).. ولأننا مثل صاحب التاكسي.. نفترض أن كل رجل أعمال أمريكي لابد أن تكون له (صلعة) أطلقنا عليه لقب (سيناتور).. رغم أن الرجل لم ينسب لنفسه هذا اللقب..

وفجأة اكتشفنا أنه ليس بـ(سيناتور).. فما كان منا إلا أن ضغطنا الفرامل بقوة وصرخنا فيه: “كل هذه الأموال.. وما سيناتور!!!”..

صاحب (الصلعة) لم يقل لسائق التاكسي (أنا أستاذ جامعي).. ورجل الأعمال الأمريكي لم يقل (أنا سيناتور).. لكننا افترضنا فيه ذلك ثم حاسبناه حساباً عسيراً على أنه لم يتوافق مع خيالنا..

صدقوني نحن شعب (معذور) من كثرة (التزوير!!) صرنا نتوهم (التزوير)..

الأطباء مزورون.. كل يوم تلقي الشرطة القبض على طبيب مزور.. أشهرهم طبيب عطبرة المزيف الذي عمل في المستشفى ست سنوات كاملة عالج خلالها مدير الشرطة نفسه.. ثم اتضح أنه مزيف..

و(دورية شرطة كاملة) مزورة.. قبضت عليها الشرطة الأصلية.. وقبلها ملكة النوبة الثرية التي زارتنا هنا وكتبت عنها صحافتنا وأفردت لها الصفحات الأُول.. ثم اتضح أنها مجرد زنجية أمريكية.. تمتعت بكرم الضيافة السودانية بما فيها حساب إقامتها في فندق (هيلتون) الذي تبرع به رجل أعمال سوداني.

وحفيد غردون.. الذي اكتشفنا معه أن غردون لم يتزوج.. وبالتالي لم (يُخلِّف!!)..

وآخر فنون التزوير.. (النعاج) المزورة التي ألقي القبض عليها قبل تصديرها للخارج.. التي زُورت فصارت (خرفان)..!!

رجال الأعمال في أمريكا هم الذين يصنعون (السيناتورات) بل والرؤساء أنفسهم.. وبالتأكيد هم من يؤثر على صناع القرار السياسي.. فأيهم نريد: (سيناتور) أم (رجل أعمال)؟.. ما هي المشكلة أن يستقبل وزير الخارجية ووزير النفط ومساعد رئيس الجمهورية رجل أعمال أمريكيا مهما.. لا ينقصه من شروط الاحترام إلا (صلعة) صاحبنا سائق التاكسي؟..

والذي حيرني هو بيانات النفي التي اندفعت من المؤسسات الحكومية.. يدفعون عن أنفسهم تهمة (غير موجودة من الأساس).. تهمة افتراض لقب (سيناتور).

هذا (سيرك) لا يحدث إلا في السودان.. أن يزرونا رجل أعمال بـ(صلعة).. فنصر أنه (سيناتور).. فنضغط الفرامل.. ونطرده ونقول له: “كل الأموال دي.. وما عندك لقب سيناتور!!”؟.

[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]