عثمان ميرغني

علاقات “عدم الأذى” المتبادل


[JUSTIFY]
علاقات “عدم الأذى” المتبادل

ألم يلفت نظركم حالة (مثيرة) في علاقاتنا مع مصر.. الفريق أول مهندس ركن عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع مباشرة بعد عودته من زيارته الأخيرة للقاهرة (قبل حوالي عشرة أيام) قال للإعلام.. (السودان لن يأذي مصر أبداً) واحتفت بالتصريح بعض الصحف فوضعته في (مانشيت) الصفحة الأولى.

قبل يومين أعاد التصريح مسؤول آخر، وأكد أن (السودان لن يطعن مصر في الظهر..)..

حسناً بعد أكثر من (58) عاماً من الاستقلال.. وسبعة آلاف عام من الجوار الجغرافي مع الجارة مصر.. وصلنا لمرحلة علاقات (عدم الأذى).. أقصى ما نفرح به أننا (لن نؤذي..) وأننا (لن نطعن!!) وتحتفي بذلك الصحف في صدر صفحاتها الأُول..

علاقات (عدم أذية!!) هي التي تربط بين السودان ومصر الآن.. والسيد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير في مؤتمره الصحفي الشهير في قاعة الصداقة (قبل عدة شهور) قال إن علاقاتنا مع مصر هي في وضع (شعرة معاوية)..

ألا يدلّ ذلك على النسق الذي تُبنى عليه أركان هذه العلاقة الثنائية.. علاقة (عدم الأذى).. علاقة (كبح المدافع) بدل (فتح المنافع)..

حتى هذه اللحظة ليس بين السودان ومصر طريق بري مسفلت.. ورغم اكتمال تعبيد ثلاثة طرق (واحد في الساحل الشرقي مع البحر الأحمر واثنان على ضفتي النيل) إلا أن واحداً منها لم تعبره سيارة واحدة.. لأن افتتاح الطرق بين البلدين أسهل منه افتتاح أنفاق مثل أنفاق غزة لتربط بين البلدين..

ربما يعتقد البعض أن الأمر مرتبط بتقلبات العلائق الفكرية والآيدلوجية بين الخرطوم والقاهرة.. بعد الإطاحة بحكم الإسلاميين في مصر.. لكن المراقب الحصيف يكتشف أن نفس الرهق الدبلوماسي والتثاقل بين البلدين ظل حتى في عهد الدكتور محمد مرسي الرئيس السابق لمصر.

خلال عهد مرسي أعلنت الحكومتان ثلاث مرات عن تاريخ محدد لإفتتاح وتدشين الطريق المسفلت بين البلدين.. وفي كل مرة كانت الدولتان تصدران بياناً يؤجل الموعد دون تقديم أية توضيحات أو تبريرات.. ثم عندما ذهب مرسي.. ذهبت حتى وعود الافتتاح.. ولم يبق بين البلدين إلا تأكيدات (عدم الأذى) المتبادل..

في مثل هذه المياه العكرة.. سهل جداً أن يصبح مثلث (حلايب) عود ثقاب يهدر الدماء.. وبدل أن يربط بين البلدين ماء النيل تفرقهما دماء أبناء النيل.

من الحكمة أن ننظر بعين (إستراتيجية) بصيرة بالمستقبل البعيد لعلاقتنا الخارجية.. خاصة في حدودنا الشمالية والجنوبية.. فعجيب أن تكون الدولتان الأقرب رحماً وجغرافية وتاريخاً هما الأبعد تصالحاً ومصالح..

مع جارتنا الجنوبية دول جنوب السودان لم تُفتح المعابر التجارية حتى الآن رغم مضيّ عام ونصف منذ توقيع اتفاقيات التعاون بين البلدين في أديس أبابا.. وحدودنا في الجنوب تحرسها الدبابات والخنادق والأيدي المشدودة إلى الزناد..

أما حدودنا الشمالية مع جارتنا مصر.. فنحن في انتظار زيارة قائد حرس الحدود المصري بعد يومين لنبحث معه كيف نحميها بالسلاح.. من باب علاقات (عدم الأذى) المتبادل بيننا..
[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]