مصطفى أبو العزائم

ذخيرة ميتة… وشعب حي!


[JUSTIFY]
ذخيرة ميتة… وشعب حي!

الحرب على السودان، لم تبدأ مع استيلاء جماعة الانقاذ الوطني على السلطة في البلاد منذ نحو ربع قرن من الزمان، لكنها -اي الحرب- تمددت، وأخذت تلتهم في الأطراف، إلى أن نجحت بمساندة الغرب في فصل جنوب السودان، وتعمل على تقسيم ما تبقى من السودان القديم الى أكثر من دولة.

الحرب على السودان، بدأت منذ ليلة الثامن من مارس في العام 1983م، ليلة أن أعلن الرئيس جعفر محمد النميري رحمه الله، تطبيق الشريعة الاسلامية، فقد فوجيء كثيرون حتى من انصار النظام المايوي نفسه بذلك الاعلان، وتباينت المواقف حوله، ما بين مباركة وموافقة، ورفض واستهجان، وذهب البعض الى القول، بأن ما قام به الرئيس النميري، لم يكن الا مكايدة سياسية لخصومه في الأحزاب التي تستند على الطوائف الدينية.

صمد الرئيس نميري -رحمه الله- امام تبعات ذلك الاعلان الخطير، والذي حاول البعض أن يقلل من شأنه وقيمته فلم يقرنه بالشريعة الاسلامية، بل أطلقوا عليه إسم قوانين سبتمبر، وظهر الكيد السياسي اكثر وضوحاً بأن قال السيد الامام الصادق المهدي، إن قوانين سبتمبر لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، ولم يرد الغرب للتجربة أن تنجح، فأعطى عود ثقاب للعقيد جون قرنق، ليشعل الغابة والصحراء معاً، ويعلن تكوين الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، والتحرير -قطعاً- كان من الشريعة الاسلامية.

الانقاذ تمسكت بتطبيق الشريعة الاسلامية، رغم ما نراه من تراجع الآن في التطبيق، وهو ما جرّ عليها الحروب المعلنة والخفية، من حصار ومواجهات عسكرية مع دول الجوار، ونيران ما تكاد تنطفيء واحدة، إلّا واشتعل غيرها في أكثر من منطقة.

الشعب السوداني هو الذي يدفع الثمن، وقد قبل بذلك طواعية، وإلّا لما استمر نظام الانقاذ حتى يومنا هذا، بسبب ما يواجهه من ضغوط تنعكس على واقع الناس المعاش.

التحدي الآن ليس في صمود الانقاذ بل في بقاء المرجعية العقائدية للشعب السوداني، وقد سعت الولايات المتحدة الامريكية من قبل وخلال فترة الديموقراطية الثالثة الممتدة من 1985-1989م، الى ممارسة الضغوط على السيدين (الميرغني والمهدي) للتراجع عن مبدأ تطبيق الشريعة، وهو ما أسماه الدكتور منصور خالد (عبور البرزخ إلى السودان الجديد) ولكن كانت المفاجأة في أن مبدأ المواطنة نفسه اعتمده نظام الحكم القائم الآن في السودان، من خلال الدستور الانتقالي، وفي مرجعيته الفكرية لدى الدكتور حسن الترابي في كتابه (الحركة الاسلامية في السودان-التطور.. الكسب.. المنهج) عندما كتب: (ولما أقبلت الحركة الاسلامية على البرمجة التطبيقية لتوجهاتها النظرية، كان أول برنامج وضعته هو ميثاق السودان الذي أصلته على فقه القرآن والسنة والتراث، ونزلته على عين الواقع السوداني اقتساماً للسلطة على النهج الاتحادي المقيّس على وثيقة دستور المدينة المنورة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدلاً في توزيع الثروة ومساواة بين القوميات والناس وحرية في الاعتقاد والثقافة، كما عرف بهدى الشرع وسماحة الاسلام التاريخية، فلم تقف الحركة عند الفقهيات النظرية في وضع الذمي، بل فصلت الأمر وكيفته على مقتضى الواقع المعلوم واتبعته بممارسة في العلاقات السياسية والشخصية نافية لفتنة الطائفية الملية ، مراعية لحقوق المواطنة وأمانات المسلم ازاء أهله وجيرانه وأوليائه، وداعية للثقة والاحترام حتى في الخلاف).. انتهى

ومع ذلك فإن الطلقات مستمرة، والأسلحة تتعدد، والأقنعة تتبدل، لأن تأثير السودان على الشعوب التي حوله كبير، خاصة في اقليمي شرق ووسط أفريقيا من ناحية، وفي غرب أفريقيا من ناحية أخرى، ونقصد التأثير الثقافي، مع الاعتراف بأن انتشار الاسلام في جنوب السودان واجه صعوبات عديدة منها الطبيعي ومنها المصطنع.

الغرب لم يتعلم بعد، بكل آلته الحربية ومحاولاته لغزو الأنفس والقلوب ثقافياً، إن طلقاته التي وجهها نحو الشعب السوداني وعقيدته، وإن لم تطش كلها، إلا أنها كانت ذخيرة فارغة و(ميتة) لن تؤذي شعباً حي.

اللهم إحفظْ بلادنا وبلاد المسلمين، وأحمِّنا من كيد الكائدين إخوان الشياطين، وأرزقنا من حيث لا نحتسب، فهم لن يضرونا بشيء حتى وإن اجتمعوا مع شياطينهم إلّا بشيءٍ قد كتبه اللّه لنا. آمين

.. و.. جمعة مباركة
[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]