منى سلمان

بصارة ود البصير


[JUSTIFY]
بصارة ود البصير

لكز (البلة ود البصير) باب الزنك المتداعي ودلف الى الحوش الواسع .. وضع كيس البلاستيك المهترئ الذي يضع فيه أدواته، وتوجه نحو المطبخ في الجانب الآخر من البيت، يجرجر قدميه بخطوات مثقلة من الارهاق .. مصّدع وقد علته غبرة من تراب الشارع، بعد ان قضى صباحه جالسا بجوار عدته مع رفقائه الصنايعية في انتظار زبون لم يأت، حتى انتصف النهار وعضه الجوع، واصابته السخانة الشديدة بآلام حادة في رأسه تشحّطت بسببها عروق جبينه المغطى بالعرق والتراب ..
أطل على المطبخ فوجده خاليا من روائح الطبيخ بالاضافة لخلوه من صاحبته، فمال الى الغرفة وهو ينادي على زوجته وقد اصابته بعض (الوهوشة) عليها، خوفا من ان يكون مكروها قد ألم بها لا قدر المولى فأخّرها عن سواة ملاحها، ولكن جاءه صوتها حادا متوترا من داخل الحجرة ..
دخل عليها وقد غشاه شيء من راحة البال لاطمئنانه على سلامتها، وبعد المسالمة والمطايبة اشتكى لها صداعه وخيبة يومه لعودته بخفي حنين وجيبيه خاليين من حتى حق العيش .. طلب منها ان تظبط له فنجان قهوة ليعدل بها مزاجه، قبل أن تعد له بعض الطعام حالة كونه على لحم بطنه منذ الصباح، ولكن فاجأه الرد القاسي منها بـ:
ما عندنا ليك شيء .. هداك المطبخ فاااضي يقول يا غربتي .. لا سكر ولا بن ولا شيتا ياكلوهو ..
سألها في حيرة:
ليه ؟ والحاصل شنو ؟
فأفحمته بـ:
شنو الـ ليه .. هو الحاصل ما واصل يا ود البصير ؟ كللللل يوم تمرق وتجيني ايدينك فاضيات .. أجيب ليك من وين ؟ شايف عندي خزنة دهب جوة بطن البيت قاعدة أغرف منها وألهمكم في خشومكم ؟؟!!
لملم (ود البصير) بقايا كرامته وكلامه وخرج من الغرفة، دون أن يعقب ولو بـ حرف على ثورة (صفية) في وجهه .. توجه للحوش وجر عنقريبه الهبابي نحو ظل النيمة البارد الظليل .. رقد عليه دون فراش وتوسد يديه بعد ان وضعهما خلف رأسه، وسرح متأملا في الحالة التي جدت على زوجته، فلم يتعود منها تلك النبرة الحادة، ولم يحدث من قبل أن لامته على قله رزقه أو عايرته بفقره ..
كانت (صفية) تقوم بتدبير أمور اسرتها بالقليل الذي يجلبه لها (البلة) من عرق جبينه، بالاضافة لما يجود به عليها اشقائها، الذين تعودوا على مد يد الاعانة لشقيقتهم وزوجها المحمول .. يفعلون ذلك من وراء ظهره وفي صمت ودون أن يشعروه بالحرج، لذلك لم يكن يسألها كيف تدبر أمورها، وقد اطمأن باله بأن حميانه يسندون ظهره وسادين الفرقة ..
ما لم يعرفه (البلة) عن التغير الذي طرأ على زوجته، هو تعرضها لـ عملية غسل دماغ وتحريش مصحوب بملي الراس من جارتها وصديقتها رقية، فقد لامتها على مساعدتها لزوجها بما ينفحها به اشقاؤها من مال .. قالت توصيها:
الراجل ما تمرعيهو وتعلميهو الخمالة .. كل ما نقص تتميهو من حق اخوانك يا العويرة ؟ .. الحاجة البمدوها ليك اخوانك تاني دسيها عشان تسوي بيها حاجة سمحة لي روحك .. تدقي ليك بيها دهيبات وللا تميزي بيها بيتك .. اي يختي ابقي مرا فالحة .. الراجل ما بسو ليهو كدي .. بكرة يلملم حقو ويمش يعرس بيهو !!
ظلت (صفية) تقوم بـ (المتاوقة) عبر الشباك لتراقب (البلة) في رقدته، وقد حيرها صمته، وغشيتها نوبة من تأنيب الضمير والاشفاق عليه من الصداع والجوع، ومن بين شفقتها عليه واصرارها على الصمود على موقفها واسلوبها الجديد، خرجت من الغرفة وتوجهت نحو مرقده تحت النيمة، وقالت له في خشونة مفتعلة:
قوم بدل رقدتك دي .. اتبرد وغير هدومك وامش على بيت حاج اللمين ود بدر .. أكل ليك لقمة معاهم باقي الليلة ساوين ليهم كرامة
سألها وهو العالم بخبر زواج حاج اللمين:
مالو ود بدر مكرّم .. ان شاء الله عافية .
اجابته باستغراب:
اجي يا ود أمي .. ما يومداك مشى كبا حبالو في بت خالا ليهو في الشرق .. أها هسي جابا عشان تمسك اولاد المرحومة والليلة ضابح ليها كرامة وعازم ناس الحلة.
اجابها بغضب مفتعل:
يخس عليهو الما عندو عشرة .. يعرس فوق حاجة كلتوم المرة الفاضلة المكملة .. المافي متلا في النسوان ؟ والله ما أمشي ليهو كلو كلو عشان عملتو الخايبة دي !!
ردت عليه باستغراب اشد:
يا راجل انتا ماك نصيح ؟ حاجة كلتوم الله يرحما ويغفر ليها .. من ماتت ما تمت الحول ؟ وللا نسيت ؟
اجابها بحصافة:
عارفا ماتت .. لكن الوفا للعشرة وينو ؟ يعني أكان ماتت يمش يعرس تاني ؟ هديل بناتو بقن نسوان .. داير بالعرس شنو كان ما راجل ناكر جميل وما عندو عشرة .. والله ياهو الفضل .. كمان دايراني امش ابارك ليهو ؟!!
عاد (البلة) لرقدته وقد طرب لبراعته في (التحنيك)، بينما توجهت (صفية) لمطبخها بخطوات راقصة من فرط السعادة والانبساط، وما هي الا دقايق وتناهى لـ (البلة) صوت الخلاطة وغزت خياشيمه رائحة قلوة البن لتداعب قريفته ..
عادت (صفية) بـ جك من عصير الليمون الباااارد وضعته أمامه على التربيزة وقالت في دلال:
برّد جوفك بالليمون دا دابن اظبط ليك الجبنة تعدل بيها رويسك الغليد دا !!
[/JUSTIFY]

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]


تعليق واحد

  1. [FONT=Times New Roman][SIZE=5]دا حالكن !!

    البلة بي شقاوته دي طلع زول خطير .. عرف لي صفية تمام، لكن أنا أقطع ليك شكو بعد روق دمو بالليمون وظبط راسو بالجبنة، بيكون أدي صفية شوية رندوق (ليطئن قلبها) ومشى حصّل كرامة اللمين ود بدر، وكمان دخل في ونسة وقرقراب مع الجماعة، وسأل اللمين (مرتك الجديدة) دي ما عندها أخت .. [/SIZE]
    [/FONT]

  2. سلامااات لي زمن ماجيت النيلين حقيقة واول ماقرأت مقالك الشيق ده وضحكت وانبسط لبساطة الحكي الجميل البلدي والسرد اللذيذ ..كتر خيرك