عبد الجليل سليمان

أذناب الفوضى


[JUSTIFY]
أذناب الفوضى

وفي علم المعاني أن الإطناب هو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة، وضارب بأطنابه منتشر ومستشرٍ(دون فائدة)، وأطناب الفوضى هنا، تعني انتشارها وذيوعها دونما فائدة عامة.
والقارئ ليوميات الخرطوم، والمراقب والراصد لما تأتي به من أخبار، لا يتكبدن مشقة، ولا عنت في أن ما يسم المشهد السوداني الآن بما يُصلح توصيفة بعبارةِ أنه ضاربٌ بأطنابه في الفوضى.
ولكن أحد ظرفاء المدينة (لوى ذراع ) هذا المُصطلح القوِّية، إذ اعتبر أن الصحيح لتوصيف الحالة الماثلة، أنها ضاربة بأذنابها في الفوضى، معتمداً في مدافعته ومرافعته هذه، على عبارة عربية قديمة اضمحل استخدامها الآن، وهي (ذنَب الشُّرطيُّ اللِّصَّ: إذ تبِعهُ فلم يُفارق أثرَه).
ولو ذنبت الحكومة اللصوص، كما يذنبهم الشرطي، لما تكدّر وجه الصحافة وتعكر متنها بأخبارٍ تجعل الحديث عن الأمن والأمان (محض تسلية) وتزجية للوقت فيما لا فائدة منه، وهنا – لا تعتقدن – أنني أضمر بين سطوري ما يحدث في دارفور، فذاك شهير وجهير، ولأنه كذلك فإنه بالضرورة لا يُضمر.
أنا هنا لأشك دبوساً في الجلود (الخرشاء والتخينة)، حتى ينتبه من هم فيها إلى أنه مؤلم جداً، أن تُنبئنا الأخبار عن مقتل ثلاثة من منسوبي قوات مكافحة التهريب بكسلا بيد (المهربين)، الخميس المنصرم، وفي مراسم التشييع دعا مدير الإدارة العامة للجمارك اللواء شرطة حقوقي د. سيف الدين عمر سليمان، أجهزة الدولة للاستمرار في تطوير قدرات مكافحة التهريب بدعمها، بطائرات وأجهزة ووسائل تعقُب حديثة.
هذا الحديث يشي أن إمكانيات المهربين ضاهت إن لم تكن بزت إمكانيات شرطة المكافحة، وإلاّ لما طالب اللواء سيف الدين بما طالب، وإلاّ لما (برطع) المهربون وطغوا واستبدوا، وعلوا علواً كبيراً، حد (الحرب على الشرطة) وتقتيلها. لذلك ما لم تُسلح الشرطة جيداً، فإن ما لا تُحمد عقابيله حادث لا محالة، فطائرة طائرتان وأجهزة اتصال حديثة وتسليح جيد، أمور ليست كثيرة على من يحمون البلاد من شرور مخربي اقتصادها ومكدري أمنها.
ومما ورد من (أذناب الفوضى)، خبراً صاحت به الصيحة من لدن (عمار عوض) من القضارف، يقول: إن شرطتها تمكنت من عصابة تنشط في سرقة المواشي، وأصابت زعيمها، الذي هو شقيق أحد قيادي بارز بولاية القضارف بطلق ناري (في رجله).
الخبر مفرح، بقدر ما هو يدعو للتأمل في جزئية منه، وهي المتعلقة بزعيم العصابة، إذ هو شقيق قيادي بارز، ومصطلح قيادي في حالتنا هذه، معناه الأكثر غلبةً هو أن الموصوف به عضو في (المؤتمر الوطني)، فإذا صح ها الاحتمال، على الحزب الحاكم (مذانبة) منسوبيه مذانبة قوية، لأن احتمال الصدفة في حالات متواترة كهذه ضئيل، مرة شقيق المتعافي، ومرة شقيق نافع، ومرة شقيق فلان.. لذلك فأذنبوهم أينما ثفقتموهم، وإلاّ، تألبون عليكم الرأي العام، وتوقرن صدره، الموقر أصلاً.

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي