جعفر عباس

لماذا أتغزل بعينيّ


[JUSTIFY]
لماذا أتغزل بعينيّ

الذين أسعدهم الحظ ورأوني على شاشات التلفزيون، لابد من أن يكونوا قد انتبهوا إلى أن الله حباني بعينين جميلتين للغاية… نعم أقول بكل فخر إن عيني جميلتان جدا و«تهبل»… صحيح أن عيني اليمنى أكبر قليلا من اليسرى، وصحيح أن عرض أي منهما لا يزيد على ملليمترين، وصحيح أيضا أن كلتيهما تقريبا بلا رموش، وأصح من كل ذلك أنهما لا تصلحان للاستخدام من دون نظارتين، واحدة للقراءة وثانية «زُوووم» أي للمسافات البعيدة، ولكنهما آية في الجمال (قولوا ما شاء الله)، طيب ما سر جمالهما وهما بهذه المواصفات التي تبدو بائسة؟ سر جمالهما أنهما تؤديان الوظيفة المطلوبة منهما ألا وهي «الإبصار»، فالعين مهمتها الأساسية هي أن تعينك على رؤية الأشياء، وعيناي ولله الحمد تقومان بتلك المهمة بمساعدة النظارتين! هل فهمت لماذا أنا فخور بعينيّ؟ بالضبط لأن عيناي تؤديان الوظيفة التي كلفهما بها خالقي وخالقهما، ورغم توعكهما إلا أنهما وبمساعدة قطع زجاجية وبلاستيكية تعيناني على تصريف شؤون حياتي.
استخدام النظارات إرث عائلي عندنا، فأجدادنا تغمدهم الله بواسع رحمته، لم يورثونا غير جينات ضعف النظر، يعني لا شجر لا بقر!! بس ضعف نظر، ولكننا نحن الأحفاد على الأقل نملك عيونا تستطيع أن ترى الأشياء بدرجة أو بأخرى من الوضوح، وقد أكرمنا الله بأن سخّّر لنا النظارات الطبية التي «تجيب الفرق» وتعوّض النقص! بل صرت تكنولوجيا ونجحت مؤخرا في دمج نظارتي القراءة والمسافات البعيدة في نظارة واحدة، وفي عالم اليوم فتيات ونساء جميلات وعيونهن تهبل (جاء في قصيدة غزلية شعبية سودانية ما يلي: العيون متل الفناجين… والسنون «الأسنان» حبات أسبرين، هذا من نوع الغزل الذي يبدو سخيفا بمقاييس العصر الراهن، لأن امرأة ذات عين في مقاس الفنجان تثير الرعب وليس الإعجاب، ويذكرني ذلك بالأغنية الشعبية الخليجية التي لقيت يوما ما رواجا عاليا: فيوز القلب محروقة، وفات على مؤلف الأغنية أن احتراق فيوزات القلب يعني الوفاة ومن ثم فإنه كان يدعو الحبيبة إلى أن تعشقه وهو ميت)، المهم أنه في عالم اليوم نساء عيونهن جميلة، وأمخاخهن صدئة، فتجد الواحدة منهن تتسلح بطاقم كامل من العدسات اللاصقة غير الطبية، فصرنا نلتقي بنساء لهن عيون القطط، وتصدر عنها أشعة متكسرة، وأخريات لهن عيون مشعة تشبه عيون الكائنات الفضائية التي نراها في أفلام ستيفن سبيلبيرج، ورأيت في مجمع تسوّق شابة في كل واحدة من عينيها صليب أحمر، فحسبتها نوعا جديدا من سيارات الإسعاف الرومانسية المستوردة من أوروبا لأن الهلال الأحمر مثل مغني الحي لا يطرب… ولأنني أحشر أنفي في أحيان كثيرة فيما لا يعنيني، فقد اطلعت على جانب من مقال نشرته مجلة «آي آند كونتاكت لنز» أي «العين والعدسات اللاصقة» البريطانية، وقرأت فيها كيف أن كثيراً من الشبان والشابان أصيبوا بالتهابات وتلف في القرنيات بسبب استخدام عدسات تجميلية غير طبية يتم شراؤها من محلات لا تعمل في مجال البصريات، مما حدا بالبرلمان البريطاني إلى أن يعمل على استصدار قانون يمنع بيع أي نوع من العدسات اللاصقة إلا من قبل محل مرخص له بالعمل في مجال الأجهزة البصرية! طبعا لن يصدر قانون مثل هذا في أي بلد عربي إلا بعد تحرير فلسطين، فهي القضية المركزية التي لا معنى للحديث عن الرفاهية وتوفير فرص العمل والعلاج المجاني والتعليم المناسب قبل حلّها… هل فهمت – يا أبو مخ تخين – لماذا بقيت القضية الفلسطينية بلا حل؟ بالضبط: لأن حلها سيفتح ملفات الصحة والتعليم والعمل وما إلى ذلك من قضايا انصرافية!

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]