جعفر عباس

طول العمر وسعادة الكبر


[JUSTIFY]
طول العمر وسعادة الكبر

كان موضوع أحد أعداد مجلة تايم الأمريكية قبل بضعة أسابيع عن المعمرين، وبالتحديد عن أولئك الذين تجاوزوا المائة، واستند تقرير المجلة إلى دراسات علمية رصينة، وأفاد بأن جزيرتي ساردينيا في إيطاليا وأوكيناوا في اليابان تضمان أكبر عدد من المعمرين في العالم، وأن الأمر لا يتعلق بالجينات أو المورثات إلا بدرجة ضئيلة، وإن «الرّك والكلام» على التغذية وأسلوب الحياة، وكان عدد كبير من المئويين الذين تناولت المجلة سيرهم ما زالوا نشطين ويأكلون من عرق الجبين.. وبالطبع لم يكن بينهم من يأكل أي نوع من الوجبات السريعة، وكان القاسم المشترك بين عواجيز سردينيا وأوكيناوا أنهم يعيشون في بيئات ريفية ولا يشربون الخمر ولا يدخنون، ولكن أهم ملاحظة في الدراسة هي أنهم جميعا يحظون برعاية واهتمام الأقارب والأصدقاء، واستنتج الباحثون أن مثل تلك الرعاية توفر للمتقدمين في السن راحة البال، التي هي أقوى عقار لتنشيط أنظمة المناعة ضد أسلحة الدمار الصحي الشامل المتمثلة بالتوتر والشد العصبي والقلق والإحساس بالوحدة، وكان الدليل القاطع على صحة ذلك الاستنتاج هو أن أهل سردينيا وأوكيناوا الذين يتنقلون إلى المدن أو يجارون أساليب الحياة العصرية السريعة لا يعيشون ما بعد سن الخامسة والستين حتى لو كانوا أحفاد رجال ونساء مئويين.
ومن الملاحظات المهمة في تلك الدراسات أن الثروة لا تلعب دورا في إطالة العمر، فقد كان معظم المعمرين «على قدِّ حالهم»،.. يعني ليسوا ميسوري الحال من الناحية المادية، مما يعزز فرضية أن راحة البال عنصر مهم للوقاية من كثير من الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والقرحة واضطرابات القلب واضطرابات الجهاز الهضمي. ومتوسط عمر الإنسان في الدول العربية الغنية كذا وستين سنة، ولكن ما إن يدخل إنسان في السبعين حتى يصبح عرضة لأمرين: إما أن يقول له أو لها «الأولاد»: يا والد/ يا والدة خلاص سويتو اللي عليكم ولا داعي للعمل والحركة.. الزم سجادة الصلاة ونحن لن نقصر في تلبية طلباتك! بعبارة أخرى نقول لذلك الشخص: راحت عليك واستعد لملاقاة ربك قريبا ولا نريد لك أن تموت وأنت في طريقك إلى السوق إلى العمل أو في زيارة قريب أو حبيب.. نفعل ذلك ونحن نعلم أن الواحد منا مطالب بالاستعداد لملاقاة ربه منذ أن يبلغ الرشد وكمال العقل، ولكن وبمطالبته بلزوم سجادة الصلاة فقط وبعدها «ولا كلمة أو حركة»، نعني أن نقول له إن أيامه باتت معدودة وأن عليه أن يركز فقط على زيادة رصيده من الحسنات وأن يعمل فقط لآخرته، وأن ينسى أن عليه أن يعيش لدنياه كأنه يعيش أبدا.. وإما يتم نقله إلى مستشفى تحت أي ذريعة وتركه هناك «ليرتاح ويريح»… يعني يوضع على الرف كأنه سلعة انتهت صلاحيتها.
ومثل غيري فإنني أتمنى أن أعيش لأحمل أحفادي بل أتمنى لو أشهد زواج أحفادي، بل أعلنت منذ سنوات أنه لو مد الله في أيامي وصار لي حفيد، فإن ذلك سيعني وصولي إلى سن التقاعد (المبكر)، لأنني سأتفرغ لرعاية ذلك الحفيد، ولكنني أعاني ارتفاع ضغط الدم الناجم عن التوتر.. أكون في سيارتي في الشارع فيحاول بعضهم قتلي أو التحرش بي لأقتلهم.. نشرات الأخبار تجعل الدم يتدفق عبر منخاري.. وداوود حسين سيسبب لي الفشل الكلوي، أما روبي ونانسي وبنات آوى عموما فيعطينني الإحساس بأنني انتمي إلى عصر آخر وأنني أعيش في الزمن بدل الضائع.. يعني أبو الجعافر لا مال ولا جمال ولا راحة بال.. وأنا في منتهى الرضا بما قسم الله لي، ولكنني حزين لأن الآخرين يحرمونني راحة البال الحقيقية.

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]