جمال علي حسن

يا “دكاترتنا” أين المشكلة


[JUSTIFY]
يا “دكاترتنا” أين المشكلة

تقرير الأخطاء الطبية السنوي بالمملكة العربية السعودية ابتلعه الإعلام المصري بمساعدة (الليمون) لأنه كان شديد المرارة عليهم إذ خرج فيه سجل الأطباء المصريين حالك السواد وهم يتصدرون قائمة الأخطاء الطبية بين الجنسيات الأخرى بنسبة 44% بينما غاب عن هذا التقرير الفاضح الأطباء السودانيون العاملون في المملكة العربية السعودية بنسبة أخطاء صفر %

وطبعا المصريون لا يستطيعون التشكيك في التقرير لأنه تقرير مفصل ودقيق يمنح الأطباء السودانيين قلادة شرف مستحقة.. وهكذا نحن السودانيين دائماً نتميز في كل المجالات بلا زوبعة أو ضجيج.

لكنني أريد أن أقرأ الموضوع من جانب آخر دون أن أطرح سؤالاً تقليدياً يقول لماذا لا نخطئ هناك ونخطئ هنا..؟!!

يجب أن نعترف بأن لدينا نسبة أخطاء طبية في مؤسساتنا الصحية الخاصة والعامة في السودان وأن تلك الأخطاء بعضها تحول إلى قضايا رأي عام.. هل يمكن أن نقول إن من خرج أكفأ من الآخر الذي بقي في الداخل..؟ لا أعتقد ذلك.. سنكون فعلاً ظالمين فلدينا رموز طبية في قمة الكفاءة تمارس مهنة الطب في السودان.. لا نشك في قدراتهم المهنية إطلاقاً وليس من حقنا ذلك بل نحن غير مؤهلين حتى لتقييم قدرات هؤلاء الأطباء صغاراً أو كباراً.. لكن أين المشكلة..؟

لاحظوا أن الكثير من السودانيين الواحد منهم لو تهيج (مصرانه العصبي) وكانت لديه إمكانيات مادية يقطع التذكرة فوراً ويتوجه إلى القاهرة لتلقي العلاج.. وبالطبع سيقابل طبيباً مصرياً هناك..

هل الطبيب السوداني حين يتعاقد للعمل خارج الحدود يكون أكثر مسؤولية وأكثر حرصاً على أداء عمله على وجه الدقة وبيقظة تحميه من ارتكاب أخطاء قد تفقده موقعه.. ربما.. نقبل الإجابة بنعم هنا مع التحفظ على اعتماد هذا كسبب رئيس.. فخطأ الطبيب من المفترض أنه محسوب على مستقبله المهني بنسبة متساوية هنا أو هناك..

إذن أين هي المشكلة التي تجعل الأطباء المصريين (يطلعوا الطيش) في التقرير السعودي بينما مستشفيات مصر وأطباؤها يكونون الوجهة الأولى أو الثانية بعد الأردن بالنسبة للمرضى السودانيين حين يفكرون في العلاج بالخارج..؟

السبب في ضعف إمكانات المستشفيات وتأهيلها وعدم اهتمام الدولة بتهيئة بيئة علاج تليق بحياة الإنسان السوداني الغالية.. لحد ما هي إجابة لأن هناك فعلاً فرقا كبيرا في بيئة العمل لكنني أيضاً أجد حالات تخرج عن هذا السبب لأن الكثير من الأخطاء الطبية التي حدثت في السودان وقعت في مستشفيات سودانية خاصة تنافس بإمكاناتها الكثير من مستشفيات الخارج..؟

أنا أعتقد أن هناك عوامل كثيرة تتداخل وتصنع حالة الاستهتار التي تحدث في بعض المستشفيات ومن بعض الأطباء في السودان أهمها إدراك الطبيب بعدم اكتراث المريض السوداني أو وعيه بحقوقه عند الطبيب الذي يباشر حالته.. وثقافتنا المتسامحة واليقينية العالية حين نتعامل مع الخطأ الطبي مهما كانت فداحته على أن مريضنا (يومو تم).. وكل شيء مقدر.. و(خلاص البقت بقت)..

أيضاً غياب مسؤولية وزارة الصحة ودورها في منع ومكافحة أسباب وقوع هذه الأخطاء وأبسط شيء ليس لدينا تقرير سنوي شفاف ومفصل مثل تقرير السعودية يتم نشره للجميع فنحن نعتمد منهج (المضايرة).. و(التحلل) وحبس المعلومات والحقائق..

سبب آخر هو ضعف جودة الأجهزة والمعدات الطبية وحتى صلاحية وكفاءة الأدوية والعقاقير العلاجية.. وأخيراً سبب مهم هو التعظيم الكبير للطبيب في القرى والأرياف يجعلهم محصنين عرفياً من المساءلة والمحاسبة حين يباشر مثل هذا الطبيب مريضاً بسيطاً في بعض القرى النائية والأرياف البعيدة مريضا من فرط بساطته يجعل الطبيب يتضخم و(يتطنقع).. ويشعر بأنه يمنُّ عليهم بوجوده هناك بين أهله وبقائه معهم في القرية وبالتالي هو الأهم من العمدة وناظر القبيلة.. (هو يسوي الغلط وأنا أسوي كتر خيرو)..!

تهانينا للأطباء السودانيين في كل مكان بهذا النصر الكبير..

[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي