ساندرا طه

قلبي في حفلة المساء


قلبي في حفلة المساء
في صمت الليل أحب أن لا أنام , حناجر البوم تصدح بغربتي و تصفق لها خفافيش جراحاتي القديمة , يقيم الليل حفلاً عربيداً موسيقاه من نقيق الضفادع و عويل الريح و شخير أغصان الشجر , يرسل هواجسه تحتفي بأناهيد صمتي و رغم كل هذا أحب أن لا أنام .. كانني أهوى ضيوف الليل و حفلات الندم ,

السكون أنقى ما يكون في ضجيج حياتنا المشوشة المزاج , نقي كبلور في جدار الصوت .. كنفق يعبر ذهني المتقد مثل قنديل في جوفه قمر , في الليل تتضاعف المعاني في حجمها تتناسل الأسئلة حتى تحاصرنا من كل القِبل , تباغتنا تلك الحقائق التي ضلت موانيء وعينا كغارة جوية تنسف قلاع أوهامنا .. تتركنا في حالة استنفار مؤرق نترقب عودة شمس الصباح بعد أن كنا نقاسم القمر وجبته من السهر , في الليل تتباعد الألوان عن بعضها .. تنفصم عرى قوس قزح .. يسافر سندباد أخيلتي إلى عواصم الاساطير و يستعمر دويلات الفرح .. يتحول الليل منشفة سحرية تمتص أما دموعنا و أما تجفف نوافذ أحداقنا من بخار سعيد .. يتحول غصة في مريء الوقت .. يدمينا بخطاه المثقلة ..

الليل ليس سوى قصة أخرى مبهرة .. أعجوبة لا تفنى و حبيب لا يمل مهما ارتدى من عتم الكسوف و أثواب الأعاصير أو دندن بزمجرة الرعود و ارتدى طاقية المطر , يظل هو أوفى سمير لا يخلف في ليلة موعده .. يظل سحارة مكتوم بقلبها مكاتيب أحبتنا القدماء و سجلات خطايانا و كل ما نخشاه , يظل الليل عصفوري الأمين الذي تتلهف لعودته أعشاش قصائدي و صيصان كلماتي .. يظل صمتاً متكلماً عن قدري .. يؤمّن بعد ابتهالاتي و يرفع أكف إيماني .. يهدهدني بتهاويد النعاس .. يظل صديقي حتى يجيء زمن تؤول فيه حكايا عمري إلى حواشي كراسة الذكريات , يملي علي ما أكتبه في سبورة نزواتي .. يملاً لي كؤوس الهذيان .. فما من حبيب في الكون سيلغي حفاوة مشاعري ببواكير المساء أو يخفت أناقة حضور القمر ..

(أرشيف الكاتبة)
ساندرا طه – صحيفة حكايات