جعفر عباس

أستحق الأوسكار ونوبل معا


[JUSTIFY]
أستحق الأوسكار ونوبل معا

حضرت مأدبة ضمت عددا من الإعلاميين،.. وكعادة الإعلاميين كان لا بد من كلام يسبب عسر الهضم والحموضة، فلسبب لا أعلمه يحسب الإعلاميون أنهم مكلفون بإعادة صياغة الدنيا. المهم جلست اصطنع الاستماع بينما أنا سارح في عالم آخر، وفجأة التقطت أذني طرفا من كلام أحدهم عن روجر كورنبيرغ الامريكي الذي فاز بجائزة نوبل للكيمياء، مع الإشارة الى ان والده سبق أن فاز بجائزة نوبل للطب، ثم أضاف ذلك الى «أحدهم»، «مما يؤكد أهمية غرس روح البحث العلمي لدى أطفالنا حتى يأتي جيل يوَرِّث العلم ويتوارثه».. ووجدت نفسي أصيح فيه: كيف نورث عيالنا روح البحث العلمي أو حتي حب العلم ونحن أجهل الناس في كل شيء؟ ولكن صاحبنا تجاهل ملاحظتي وواصل مواعظه عن أهمية نشر الوعي والمعرفة مشيدا مرة أخرى بكورنبيرغ بتاع الطب وابنه بتاع الكيمياء. هنا انتزعت المبادرة من صاحبي وقلت: يا جماعة أنا أعتقد أنني استحق جائزة نوبل في أي شيء وكل شيء، أكثر من روجر كورنبيرغ وأبيه. بدون فخر لم يكن أبي وأمي يحملان حتى شهادة كي جي ون (اسم الدلع للمرحلة الأولى من روضة الأطفال) وليس بين أجدادي من ناحيتي الأب والأم من كان يحمل شهادة إكمال الصف الأول الابتدائي، والتي كان حاملها حتى قبل سبعين سنة لا يقبل بأقل من منصب وزير.. يعني أنا من عائلة عصامية في الأمية، توارثت الجهل أبا عن جد جد جد جد الجد! ومع هذا نلت شهادة جامعية اسمها الإفرنجي يجنن (عند تخرجي في الجامعة زارنا صديق مهنئا وقال لأمي: مبروك جعفر نال البكالوريوس،.. فكادت ان تصاب بنوبة قلبية لأنها حسبت البكالوريوس مرضا عقليا، ولكنها تماسكت واتهمت الصديق بأنه حاسد وغيران، ولهذا يتهم ولدها الذي نال الشهادة الجامعية بأنه مصاب بالبكالوريوس).. لا تحسبوا نيلي الشهادة الجامعية انجازا سهلا… أن تكون واحدا من بين 800 طالب فقط ينالون فرصة التعليم الجامعي سنويا (في ذلك الزمان) في بلد قارة كالسودان، فمن الإنصاف ان تكون هناك جائزة نوبل (ولو موبايل) تليق بإنجازك! أن تكمل سنوات المرحلة الابتدائية الأربع، ووجبة إفطارك حفنة من التمر، ثم تخوض تصفيات أولمبية لتفوز بمقعد في المدرسة المتوسطة، وتغادر بيت أهلك وعمرك 12 سنة لتعيش في السكن الملحق بالمدرسة ويكون ذلك السكن عرضة لغزو الضباع ليلا فلا نستطيع التوجه الى دورات المياه فيضطر بعضنا الى تفريغ المثانات في السرير، ثم نجتاز مطحنة أخرى لننتقل الى مدرسة ثانوية تبعد أكثر من ألف كيلومتر عن بيوتنا مقيمين فيها ثم ندخل الجامعة ونتخرج فيها.. هذه تحتاج الى أوسكار فوق جائزة نوبل!.
لا… وصرت استخدم الكمبيوتر والهاتف الموبايل.. أنا الذي لم أر الهاتف العادي بالعين المجردة إلا وعمري نحو 18 سنة.. ثم صرت أقود سيارة بـ «جير» أوتوماتيك.. ولدي تلفزيون ملون بريموت كونترول! وتعلمت أكل الإسباغيتي بالشوكة، وصرت أشرب الكولا من دون أن ينحشر لساني في الزجاجة..هذا هو يا جماعة الانجاز الحقيقي الجدير بالإشادة والتقدير.. ليس إنجازا ان تكون مليونيرا لأن والدك مليونير، أو أن تتفوق في دراسة الطب لأن والدك يحمل درجة الدكتوراه في الكيمياء أو الأحياء.. الإنجاز هو أن تكون أول واحد في عائلتك يدخل الجامعة ويتركها غير مطرود بل مزود بشهادة ذات اسم رنان (بكالوريوس).. الإنجاز هو ان قرويا كان يرعى غنيمات أهله صار يقود السيارة ويقود غوغل غول الانترنت ويركب الطيارة.. ومعظمكم مثلي، نشأ في بيئة أمية وريفية أو بدوية وأنجزتم الكثير وعليكم ان تشعروا بالفخر (ولكن بدون غرور).. وداهية تاخد نوبل وجائزته.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]