لماذا احتجبت ؟

[ALIGN=CENTER]لماذا احتجبت ؟! [/ALIGN] * لم أصدق ان السوء الذى اعترى بعضنا كبير جدا الا بعد ان تعرضت لواقعة سرقة فى مطار أبوظبى قبل بضعة أيام من مسافر سودانى لا أعرفه، بدا لى فى غاية الرقى والثقافة والادب عندما إلتقيت به مصادفة وانا أجلس فى انتظار الطائرة التى ستقلنى الى قطر أجنبى فى مهمة علمية قصيرة بينما كان هو فى طريقه الى السودان فى إجازة قصيرة كما قال، وظللنا نتحدث أكثر من ساعتين فى شتى الامور والقضايا التى تخص الوطن العزيز من هجمة الحر الشديدة وقطوعات التيار الكهربائى الى أدق أمور السياسة كعادة السودانيين عندما يلتقون فى أى مكان وزمان .
* بينما كنت جالسا بالقرب من البوابة رقم 29 المخصصة للطائرة التى ستقلنى مع بقية المسافرين الى مطار تورنتو بكندا، اقترب منى مواطن سودانى أنيق فى منتصف العمر تقريبا، يرتدى بدلة كاملة، وسألنى ان كنت الصحفى المعروف، وذكر اسمى، وعندما أجبت بنعم ، غمرنى بعبارات الاعجاب ثم جلس وانهمكنا فى الحديث الطويل، وقد كنت فى غاية السعادة كونى عثرت أخيرا على من أتحدث معه بعد ان ظللت طيلة 14 ساعة قضيتها فى المطار جالسا لوحدى لا أجد ما أفعله سوى القراءة والبحلقة فى المسافرين بين الحين والآخر لعلهما يخففان عنى مشقة الانتظار الطويل الذى كنت أمنى النفس بقضائه فى نوم عميق بفندق المطار الا ان سوء حظى أو بالأحرى سوء تقديرى أو سوء برمجتى للرحلة وعدم الاحتياط بإجراء حجز مسبق بالفندق، جعلنى أفشل فى العثور على غرفة تأوينى، فجلست معظم الوقت فى صالة الفندق بأجرة زهيدة وتمتعت بخدمات ممتازة اعتاد عليها المسافرون عبر مطار أبوظبى الدولى ، غير اننى اضطررت للخروج الى باحة المطار للتغيير وكسر حدة القلق التى تصاحب الانسان فى مثل هذه الاحوال فكان أن وقعت فى حبائل ذلك اللص العجيب الذى انتهز فرصة دخولى الى الحمام قبل لحظات من الصعود الى الطائرة ففعل فعلته القبيحة وهرب بكمبيوترى المحمول الذى احتفظ فيه بالكثير من المواد والمعلومات المرتبطة بعملى الصحفى والاكاديمى بالاضافة الى بعض المعلومات الشخصية مثل الصور العائلية … إلخ، ولكنه لحسن الحظ لن يتمكن من الدخول الى الملفات التى تحتوى عليها بفضل برنامج تأمين فى غاية الدقة والصرامة يستخدم لتأمين ملفات الكمبيوتر ابتعته ( اونلاين) من شركة مايكروسفت، واذا حاول شخص الدخول لهذه الملفات المؤمنة أكثر من مرتين بدون التعرف على الباسوورد ، فان البرنامج يمسح هذه الملفات تماما من كل مواقع وجودها فى جهاز الكمبيوتر، فلا يعثر لها على أثر !!
* لحسن حظى ، فأننى أحتفظ بمعلوماتى الخاصة فى أكثر من مكان ، لذلك لم أتأثر كثيرا بسرقة اللابتوب ، خاصة انه قديم ومستهلك أكل عليه الدهر وشرب ، ولم أهتم بالتبليغ عن سرقته بالمطار خاصة مع اقتراب موعد الصعود الى الطائرة، كما اننى اعتبرته ثمنا واجب السداد مقابل الاهمال وعدم الالتزام بتعليمات السفر عبر المطارات التى تقضى بعدم ترك الحقائب والمتعلقات الشخصية الاخرى مهما كانت الاسباب، وضرورة حملها الى أى مكان تذهب إليه حتى داخل الحمامات وأماكن العبادة والصلاة، وهو ما يفعله معظم المسافرين عبر المطارات الدولية ، غير أننا بطبيعتنا الفطرية والتلقائية لا نكترث فى معظم الاحيان بهذه التعليمات والاجراءات الاحترازية المهمة ، فنقع ضحايا لاهمالنا وعدم اكتراثنا !! كان يمكن لذلك اللص ان يسبب لى الكثير من المعاناة لو أخذ مع اللابتوب حقيبة أخرى صغيرة تحتوى على جواز سفرى وبعض النقود ولكن لطف الله بى ، فلم يأخذ اللص تلك الحقيبة ، ولا أدرى هل غابت عن بصره أم انه لم يكن يريد غير اللابتوب !!؟
* أقول، لم أتأثر كثيرا بسرقة كمبيوترى المحمول ، ولكننى تأثرت جدا وأصابنى حزن شديد لان الذى سرقه هو أحد ابناء جلدتى، الذى بدا من حديثه ومناقشته الطويلة معى حول كثير من القضايا التى امتدت حوالى ساعتين، انه شخص فى قمة التعليم والثقافة والرقى والادب ، ولم أشك اطلاقا انه ربما كان ذا صلة وثيقة بالمجال الاكاديمى او باحدى المهن الراقية ، فما الذى دهانا وهل وصل الحال ببعضنا الى هذا السوء ؟!
* قد يكون من الطبيعى ان يسرقك محتال يلتقى بك فى مكان عمل او فى سوق … إلخ ، ولكن أن يسرقك مسافر فى مطار، وهو على هذا المستوى العالى من التعليم والثقافة والحضور ، فإن المسألة تحتاج الى وقفة جادة وإعادة نظر فيما يحدث حولنا ، ام اننى مخطئ ؟!
* بقى أن أقول إن هذا اللص كان هو سبب غيابى واحتجابى عنكم فى الايام السابقة بعد ان جردنى من وسيلتى التى استخدمها نيل شرف اللقاء اليومى بكم عبر هذا المكان ، فلكم منى خالص الاعتذار والشكر على السؤال والاستفسار عن الغياب !!

drzoheirali@yahoo.com
مناظير – صحيفة السوداني – العدد رقم: – 2009-04-24

Exit mobile version