تحقيقات وتقارير

قصر الصداقة.. إطفاء الأنوار :أصبح مقراً للقطط والفئران..!!


قبل فترة وجيزة كانت تبدو على ذلك المبنى المطل على ضفاف النيل قبالة توتي الحياة المفعمة بالحركة، لكنها تضاءلت رويداً رويداً إلى ان اندثرت تماماً. الأنوار التي كانت تضئ المكان وكان بريقها يمتد حتى شارع القصر بالضفة الغربية إنطفأت وخيم الظلام الدامس على المبنى مما جعلنا نبحث ما وراء الظلام الذي اكتنفه الغموض.

المجني عليه!!
صرح أثري يحتل مساحة «65» ألف متر بمدينة بحري منطقة «حلة حمد» يعمل به حوالي «061» عاملاً منذ انشائه في ثمانينيات القرن الماضي كان يشكل ملاذاً مثالياً للسياح والنزلاء الاجانب.
حقب ومراحل مرت على «فندق قصر الصداقة» ذلك المرفأ الصناعي والهرم التاريخي ذو الخمسة نجوم، تعاقبت على إدارته عدة شركات ففي عهد مايو كان في قمة مجده نسبة لأن الشركة التي تسلمت شؤون إدارته لبنانية، استمر في تحقيق الارباح حتى بداية التسعينيات، يبدو ان ثمة عوامل برزت بشكل ايجابي قادت إلى اغلاق الفندق لمدة عامين، تلك العوامل أسهمت في خصخصته في العام 6991م تحديداً كشراكة بين الحكومة السودانية التي دخلت بنسبة «04%» وشركة «دايو» الكورية بنسبة «06%» عملت شركة دايو على إدارته طوال الفترة من «6991» حتى العام «2002م» وخلال تلك المدة استطاعت الشركة ان تجني ارباحاً طائلة زادت من دخل الفندق ونسبة لتداخل ظروف اقتصادية تمت خصخصة الفندق خصخصة كاملة وهذه المرة قام بشرائه المستثمر السعودي المعروف جمعة الجمعة بمبلغ «81» مليون دولار، في اغسطس من العام 2002م أصبح المرفأ ضمن مجموعة ممتلكات جمعة بالسودان.

ماذا حدث؟
تسلمت إدارته شركة جمعة التي سعت وراء تطويره وزيادة دخله فبعد ان كان يعج بالحركة والحيوية اصابته علل كثيرة خلال عامين وظهرت بعض ملامح التدهور المتمثلة في الازمات المالية المستمرة والتي عجزت الادارة عن معالجتها ولم تقف الازمات عند هذا الحد بل تعدتها إلى أكثر من ذلك في الآونة الأخيرة حيث أصبح انتاج الفندق ضئيلاً بشكل ادى إلى قلة الخدمات وزيادة المديونيات المتعثرة فضلاً عن ذلك فإن المالك رفع يده عن دعم الفندق الذي صار يعتمد على موارده الذاتية لمدة طويلة وذلك قلل من دخله.
منذ عام ونصف العام تقريباً قرر المالك التخلص منه فاصبح في حالة عرض مستمر للبيع وحتى يومنا هذا لم يجد من ينقذه.
في الأشهر الاربعة الأخيرة توسعت دائرة الخسائر واصاب التدهور المولدات الكهربائية التي ادت إلى انقطاع الكهرباء من المبنى وحل محل الأنوار الظلام كما إنعدمت الخدمات كلياً بسبب عجز في الميزانية وتوقفت كل مقومات التشغيل للغرف لإنعدام السيولة ذلك الوضع فرخ ظروفاً قاسية فقد هجر الفندق جميع النزلاء والسياح تلك المشكلات مجتمعة ادت إلى اغلاق فندق قصر الصداقة الذي يحوي أحد عشر طابقاً بما فيها طابق عبارة عن جناح رئاسي وبه «891» غرفة اتخذت من بعضها القطط والفئران مسكناً تتجول بين ارجائها وحجز الحمام بعض نوافذ الغرف.

ما وراء التدهور!!
الوضع المؤسف الذي ضرب أحد اهم الفنادق في السودان جعلنا نبحث عن الاسباب ونتلمس اوجاع العاملين به، عندما وطأت اقدامنا موقع القصر بدأت الاجواء تشير إلى البؤس الذي سيطر على العاملين فاتخذوا من إحدي الشجيرات ظلاً في انتظار المخرج ولأنهم اكثر المتضررين جلسنا إليهم فجاء تفنيدهم لازمة الفندق انها بسبب سوء الادارة غير الملمة بالفندقة وانعدام نظام موحد يحكم العمل بالفندق زائداً تداخل الاختصاصات وعدم التجانس الاداري، وحسب افاداتهم انه لم ينج من العاصفة السوداء التي ضربت الفندق موردو «الاغذية والخضر واللحوم والفاكهة» الذين ارتفعت مديونياتهم على إدارة الفندق بارقام هائلة.
العاملون بعد ان كانوا يتحصلون على رواتبهم كل شهرين اصبحوا الآن بلا رواتب والوضع قاد إلى تجميد حوافزهم السنوية بما فيها بدل خدمة «01%»» من الدخل تصرف شهرياً لهم اضف لذلك المستحقات الأخرى من بنزين وتلفون وهذه تفاوتت مبالغها بين العاملين وتراوحت بين «4-5» آلاف جنيه.. وفي إطار ذلك يقضي عمال الفندق هذه الأيام اجازة إجبارية محسوبة الأجر، ولكن حتى ذلك الاجر مجمد مما دفعهم إلى تحريك بلاغات بمكتب العمل ضد الجهة المسؤولة من خسارتهم لنيل مستحقاتهم.

معاناة العاملين:
لخص هاشم الخير -قسم الهندسة بالفندق وهو احد المتضررين- مشكلته في تأخير المرتبات زائداً الاستحقاقات التي مضت عليها ثلاث سنوات وهي مجمدة، يبدو الوضع لهاشم قاسياً خاصة انه أدى إلى توقف علاج العاملين وادخلهم في ديون زادت على كاهلهم، وهو لا يجد مبرراً لاغلاق الفندق وتوقف العمل.
وهذا منصور بابكر ارتفعت مديونياته كثيراً وتلمس احزان بعض زملائه الذين فقدوا فلذات اكبادهم بسبب ازمة الفندق التي انعكست سلباً عليهم وتمخض عنها عجزهم عن توفير العلاج لابنائهم المرضى وكان ذلك سبباً في وفاة الاطفال.
وهذه ثلاثة أشهر مضت على العامل «بول اكيج داو» لم يسدد فيها ايجار المنزل الذي يأويه واسرته مما ادخله في مشكلة مع صاحب الملك الذي بات يهدده بالطرد.
هذه مجرد نماذج فقط من عدد من العاملين الذين وجدناهم يفترشون الارض ويتوسدون مشاكلهم ومديونياتهم بالفندق واستفهامات عديدة تدور في مخيلتهم ابرزها نسبة الـ «01%» التي تستقطع من رواتبهم شهرياً عبر نظام صندوق التكافل الاجتماعي لدعم العاملين والتي مضى عامان لم يعرفوا عنها شيئاً وتساءلوا جهراً اين ذهبت تلك المبالغ؟!

مسؤول.. وردود!!
حملت احزان وهموم العاملين وتوجهت إلى ادارة الفندق لمعرفة اسباب الظلام الدامس الذي حلّ عليه ومصير العاملين به؟!
لم يخض استاذ «صلاح كنه» مدير الفندق في الحديث كثيراً واكتفى بالاشارة إلى ان الهلال والمريخ سبب الازمة الحالية بجانب تقاعس الدولة عن رعايته والترويج للسياحة واهمالها لجانب الفندق.
وقبل مغادرتنا التقط خيط الحديث احد الموظفين الملمين بخبايا القضية كلها ازعجته كثيراً وجبات العدس التي ظلوا يتناولونها الفترة الماضية كوجبة رئيسية في ظل ان المبالغ التي دفعت في بطولة سيكافا كان يمكن ان تسير العمل بالفندق لمدة خمس سنوات وتساءل: أين صرفت تلك المبالغ؟!!
في الاطار انتقد متوكل احمد علي سكرتير نادي المريخ تصريحات المدير التي اشار فيها إلى ان مديونية النادي ادت إلى تدهور الفندق، واوضح ان نادي المريخ سدد لقصر الصداقة مبلغ «003» ألف جنيه من المديونية على النادي بما فيها استضافة بطولة سيكافا وان ما تبقى من مديونية لا يمثل سوى «02%» من جملة المديونية.
داعياً مدير الفندق لان يكون اكثر شفافية في إدارة المرفق.

حل ارجح!!
انهيار فندق كهذا بالتأكيد وراءه اسباب ادت إلى عرضه للبيع فمن وجهة نظر خبير تصفية شركات والذي فضل حجب اسمه عندما رجعنا إليه جاء تحليله للحالة انه عندما تتعرض أية مؤسسة لانهيار فإن الجهات التي تقف على ادارتها تلجأ إلى مالك الاسهم لتسديد المديونيات وغيرها من الالتزامات وباعتبار ان الفندق جزء من الاصول الخاصة بـ «جمعة» وحسب محدثي ان الادارة فشلت في تسويقه، وفي فترة ظل الاجانب يقضون جُلّ اوقاتهم على النيل كما لم يجد رواده خدمات تشجع بقاءهم في الفندق، ومن المنطقي حتى يتفادي المالك تلك الخسائر ونسبة لانه اشتراه في زمن الخصخصة بمبلغ كبير فإن إغلاقه وعرضه للبيع حل مناسب لايقاف نزيف المديونيات والخسائر.
من ناحية أخرى البيع يكون ايضاً لانقاذ اصول أخرى خاصة بالمالك وفي هذه الحالة يلجأ إلى أكثر اصل خسران معه ويعمل على بيعه وادخال مبالغه ضمن ميزانية الاصول الأخرى ليسهم في سداد مديونياتها وإىقافها من التدهور وهذا هو الأرجح، ونوه إلى ان الازمة المالية أيضاً تشكل تحذيراً قوياً لإعادة النظر في الاستثمارات السياحية بالسودان.
في ظل ذلك علمت «الرأي العام» ان جهة قابضة تسعى لبيع الفندق نسبة لمديونيات تريد استردادها.
وزارة السياحة الجهة المختصة بالسياحة الفندقية بالسودان وهناك نسبة «5%» كدخل من الغرف بالفندق تذهب للوزارة اتصلنا بهم لافادتنا حول المسألة ورؤيتهم لحالة الفندق وغيرها من المسائل المعنية بالسياحة الفندقية والتي سوف نوردها لاحقاً.

أخيراً
نقول إذا استمر الاخفاق الذي اصاب فندق قصر الصداقة سوف يضر بالاستثمار الاجنبي الذي تخشاه الجهة المشرفة والمسؤولة عن الفندق الذي رغم ما حلّ به ظل شامخاً ويراهن حالياً بموقعه الجغرافي وميزته الجمالية التي يتمتع بها دون سواه.
انتصار فضل الله:الراي العام