الطاهر ساتي

قرار …« مجرد رأي » …!!


[ALIGN=JUSTIFY]** لم يكن يعلم الصياد الماهر بانه ضل الطريق ، لذا صار يمشي مطمئنا رغم ما به من رهق الرحلة والتجوال ، إلى أن ترآى له من بعيد شجر واد أخضر ، فابتسم بمظان انه قد وصل مكان فريسته ، ولم يكن الأمر كذلك ، ولكن شبه له ، فلم يكتئب ، لأن حارسا امينا كان تلقاه بقول حكيم ..« ليس هذا هو المكان الوحيد الذي وصلته عن طريق الخطأ ، ولن يكون الأخير ، فأهلا بك على كل حال ، والطرق التى تؤدي الي مكان فريستك من هنا .. » .. أو هكذا كان الترحيب والإرشاد .. فأيقن يومئذ بانه أسعد الصيادين حظا ، نعم لم يجد مكان فريسته ، لكنه وجد حكمة فاصطادها ، والحكمة – طبعا – ضالة المؤمن ، ومن اصطادها اصطاد خيرا وفيرا.. وكثيرة هى الخطى التي تمشي – عن طريق الخطأ – إلي غير غاياتها ، ولكن قليلة هى التي تجد حكيما يستقبلها ويرحب بها ثم يرشدها الي حيث تلك الغايات .. !!
** مجلس الوزراء لم يحسن – يومئذ – استقبال قرار وزارة الثروة الحيوانية الخاص بتصدير إناث الإبل ، وكذلك لم يرشد القرار الي حيث طريق الغايات التي تنهض بالثروة الحيوانية وتطورها ، بل صادق المجلس على قرار التصدير ، فاكتسب القرار بمصادقة المجلس عليه شرعية إحتفت بها وزارة الثروة الحيوانية ، وتمادت بها في الخطأ ، وقبل أن يمضي على مصادقة مجلس الوزراء سبوع نفذت وزارة الثروة الحيوانية قرارها ، وشحنت مئتين ونيف رأس من إناث الإبل الي دولة عربية .. وهي بتلك الشحنة سعيدة .. والسبب هو مجلس الوزراء الذي لم يقل لوزارة الثروة يوم تقديم مقترح التصدير « ليس هذا هو السبيل الوحيد الذي سلكته عن طريق الخطأ ، ولن يكون الأخير ، فأهلا بك على كل حال ، ولكن سبل تطوير القطيع القومي هكذا وهكذا وهكذا .. وليس تصدير إناث الأنعام » .. المجلس لم يكن كذاك الحكيم ، ولم تجد وزارة الثروة عنده ضالة المؤمن ، ولذا واصلت سيرها في الطريق الخاطئ ..!!
** ولكن البرلمان كان حكيما حين رفض قرار وزارة الثروة الحيوانية رفضا قاطعا ، ورئيس لجنة الزراعة بالبرلمان ليس سياسيا فحسب ، ولكنه قامة علمية بدرجة بروف ، وعالم ببواطن أمور هذا المجال ، وكذلك معه فى لجنته بعض علماء البلد من مختلف ألوان الطيف السياسي ، وهم فى قضية كهذه لا يفتون بعقولهم السياسية ، بيد أنهم يحكمون فيها عقولهم العلمية وخبراتهم ثم يصدرون أحكامهم وقراراتهم ، ولذا كان القرار البرلماني هو قرار رفض تصدير إناث الإبل ثم مطالبة الجهات التنفيذية – مجلسا كان أو وزارة – بمراجعة القرار ، وأرفق البرلمان مع قرار الرفض حزم الأسباب ، وهى ذات الأسباب التي ظللنا نرددها طوال الأسابيع الفائتة ، وأهمها أن فتح باب التصدير المطلق للإناث يعد بمثابة تفريغ لمراعي بلادنا من أوعية الإنتاج ، ثم القرار يعد بمثابة تمليك كامل السلالات الوراثية لدول أخرى تسعى لذلك منذ عهود بعيدة ، بدليل إنها استوردت الشحنة الأولى في الأسبوع الأول من القرار ، أى قبل أن يصل قرار الوزارة الى مرحلة النقاش البرلماني ، .. وأي لبيب يفهم سر هذا .. « الإستعجال » .. !!
** وكم كان غريبا حديث السيد وزير الثروة الحيوانية لنواب البرلمان وهو يرافع لقرار تصدير الإناث … ضيق المراعي لم يقنع برلمانيا يعرف مساحة بلادنا ومساحات مراعيها ، ولذا جاء بتبرير آخر فحواه الفجوة المائية .. عليك أن تتخيل – أخى القارئ – منطقا علميا يزعم بأن بلادنا تعاني من فجوة مائية تستدعي تصدير إناث الإبل .. نيلك يقسم أرض وطنك الي نصفين ، وأمطار السماء تسبب لنا الكوارث ثم تخلف بحيرات في ثلثي بلدك ، والمليون ميل مربع يطفح فوق مياه جوفية بحجم محيط ، ومع كل ذلك وزارة الثروة تبرر تصديرها لإناث الإبل بما تسميها فجوة مائية .. تأمل هذا التبرير .. ثم التبرير الآخر الذي يزعم ارتفاع نسبة الإناث الى « 90% » ، وهذا ليس بصحيح ، فالوزارة لاتمتلك إحصائية توضح أعداد الإناث والذكور ، لا للإبل ولا لغيرها .. فالنسبة التي ذكرتها الوزارة مجرد « طق حنك » .. بطرفي خطة الوزارة لهذا العام ، ومن يناير هذا العام الي ديسمبره يجب أن تنفذ الوزارة عملية التعداد الحيواني بالبلاد بميزانية قدرها « 5.792.000 جنيه » .. ولكنها لم تنفذ تلك العملية الى فجرنا هذا ، ولم تعد حيوانات حظيرة بكردفان ، ناهيك عن عدها لحيوانات كل البلاد ..فمن أين جاءت بتلك النسبة ..؟.. علما بأن آخر تعداد حيواني تم في ظل حكومة مايو .. وكل الأرقام والنسب التي ترددها وزارة الثروة الحيوانية فى أجهزة الإعلام هى مجرد أرقام .. « قاطعاها من راسا » .. !!
** والمدهش جدا هو أن قرار البرلمان الحكيم لايلزم وزارة الثروة بايقاف تصدير الإناث … أى قرار برلماني بمثابة رأي فقط لاغير .. وعليه ، فلتواصل الوزارة في تفريغ مراعينا ، ونقترح تحويل البرلمان الي كاتب صحفي ، طالما كان رفضه للقرار أيضا ..« مجرد رأي » …!!
إليكم – الصحافة -الاثنين 30/6/ 2008م،العدد5399
tahersati@hotmail.com [/ALIGN]