داليا الياس

نيران معنوية


[JUSTIFY]
نيران معنوية

# (بيرومانيا)! لا أذكر أين طالعتني هذه الكلمة تحديداً.. ولكنها استوقفتني يومها حتى رحت أتقصى عن معناها، وعرفت أنها مصطلح علمي له علاقة بالأمراض النفسية يستخدم للتعريف بهوس البهجة الشديدة والتلذذ بإضرام النار والاستمتاع بألسنتها المشتعلة!
فمريض (البيرومانيا) يجد متعته الحقيقية في مشهد النيران المتأججة في أي شيء، وأحياناً تسيطر عليه تلك المتعة حتى يجد نفسه لا شعورياً مدفوعاً لإضرامها في ما حوله.
فهل يمكن أن يكون بعض مثيري الفتن والأزمات والخصومات المتلذذين بالمشاكل والمشاجرات التي تقوم بين طرفين من المصابين بهذا الهوس؟ وهل يمكن اعتبار ما يقومون به في سبيل تعزيز تلك (الحرابات) الإنسانية مرضاً نفسياً خارجاً عن إرادتهم؟
# إنني لأجد بعض النماذج البشرية التي هوايتها زعزعة الاستقرار وإشغال الصدور بالسعي بين الناس بـ (القوالات) وتحميل الكلام ما لا يحتمل أو تزويره وتأويله أحياناً! ولا شيء يزعجهم في هذه الدنيا قدر رؤيتهم لإثنين على شيء من الوفاق والتوادد والانسجام يعيشون في هدوء في ظل علاقة إنسانية ما قد تكون حب أو زواج أو قرابة أو صداقة أوحتى زمالة في العمل أو جوار، فتجدهم يتميزون غيظاً يتبدى في سلوكهم وانفعالاتهم ونظراتهم وكلامهم، ولا يهدأ لهم بال حتى يفتوا في عضد هذه العلاقة بالتشكيك وتقويض سلامها الداخلي!
وأظن أن ذلك فعلاً نوع من أنواع المرض العضال الذي لا دواء له ولا شفاء منه وأسبابه الحسد والاعتلال النفسي ومركبات النقص.
وكثيراً ما نكتشف إصابتهم بذلك المرض بعد فوات الأوان، وبعد أن نكون قد منحناهم الفرصة الكاملة للنيل من سعادتنا وثقتنا وارتياحنا، واستجبنا على عجل لمحاولاتهم ورضخنا لشرور أنفسهم، فخسرنا قلوباً أحبتنا بصدق، لأننا ببساطة أسلمنا آذاننا لأقاويل موضوعة لا تمت للحقيقة بصلة، وترفعنا عن المواجهة بدعوى الكبرياء الجريح، فدفعنا الثمن باهظاً من أعصابنا.
#لقد انتشر هذا المرض بصورة مزرية كادت تتحول إلى وباء.. ومشكلتنا الحقيقية أننا لا نقف قليلاً لنقيم أمثال هؤلاء ونتساءل عن دوافعهم ولا نستدعي العديد من المشاعر والمواقف الإيجابية للدفاع عن الآخر وأبعاده في حياتنا وذكرياته الطيبة معنا ومواقفه النبيلة إلى جانبنا! فقط نستجيب بسرعة كبيرة ونستسلم لإعصار الفتنة ونبادر بردود أفعال صادمة وسالبة ومتطرفة قد تكون السبب المباشر في نسف أقوى العلاقات تماماً!!
تستدعي الحكمة أن نتروى في كل ما يبلغ آذاننا، وإن أتانا معضداً بأدلة دامغة، فليس أسهل من فربكة الأدلة على أيام التطور الإلكتروني التي نحياها هذه.
ولا أشد وقعاً على المرء من اتهامه بما ليس فيه وما لم يقم به، فلا تفسحوا المجال لهؤلاء المرضى ليقضوا مضاجع الإحساس بالاطمئنان والثقة بأعماقكم. ولا تتركوا الباب مغلقاً بينكم وبين أحبائكم.. فالمودة والمحبة مبرر كافٍ لجعل كل الأبواب والقلوب مشرعة على فضاءات الصراحة والوضوح والصدق والمواجهة.
وتذكروا أن إخماد النيران يبدو عسيراً على الرجل الواحد، وأنها تزداد تأججاً كلما هب عليها المزيد من رياح الفتنة حتى تقضي على الأخضر واليابس، فتموت الروابط الحميمة بحروق الدرجة الأولى أو من شدة الاختناق أو تعيش طوال عمرها مشوهةً تحمل آثار الحروق التي تلذذ أحدهم بالفرجة عليها ثم لاذ بالفرار.
#تلويح:
الفتنة أشد من القتل.. ومن الغدر.. ومن الاغتيال!!

[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي