تحقيقات وتقارير

الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي .. هل يقيل عثرات المعاشيين ؟


إن القرار الذي أصدره رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير في السادس من رمضان الجاري بتكوين مجلس الإدارة الموحد لصناديق الضمان الاجتماعي بالبلاد سيكون على يديه حل كل المشاكل التي تواجه صناديق الضمان الاجتماعي التي أثارت جدلية تبعيتها بمختلف انواعها مصدرا لعكننة أوضاع المنتسبين إليها حسب إفادات المختصين ، ولعل أول المكتوين بنيران نزاع تبعيتها المنسبين لتلك الصناديق واتحاد العمال الذي حذر في وقت مضى من خطورة تعرض الصناديق الاجتماعية بالبلاد للانهيار بسبب الخلافات الناجمة عن تطبيق الدستور المتعلقة بتبعيتها للولايات أم كونها قومية. ولكن أخيرا اهتدت ولايتا الجزيرة و الخرطوم والصندوق القومي للمعاشات إلى كلمة سواء وضعت حدا للجدل القائم بينهما حول تكوين صناديق خاصة بمعاشييهما ، وجراء هذا الجدل أحجمت كل من الجزيرة و الخرطوم عن سداد اشتراكات منسوبيها من العمال والموظفين للصندوق القومي، مما أدى لتراكم مديونيات الصندوق عليها حتى بلغت أرقاما مهولة ، غير أنهما توصلتا أخيرا إلى كلمة سوا بينهما والصندوق وعادتا أدراجهما للإنضواء تحت مظلة الصندوق القومية مع التزامهما التام بسداد متأخرات معاشييهما.
ولعل محاولة خروج ولايتي الجزيرة والخرطوم عن مظلة الصندوق القومي للمعاشات وأوبتهما إليه مؤخرا كانت الباعث الأكبر لتكوين مجلس الإدارة الموحد لصناديق الضمان الاجتماعي بمختلف مشاربها وضروبها حتى يسهم في تقديم خدمة ضمان اجتماعي تتناسب ومتطلبات الحياة العصرية ، حيث تقول نظرية التأمين في مجال المعاشات ان الحد الأمثل الذي يمكن الصناديق من أداء رسالتها على الوجه الذي يرضي عنها أن يكون هناك سبعة عاملين يسددون اشتراكاتهم بصورة منتظمة يقابلهم معاشي واحد غير أن الحال عندنا في السودان كما تقول إحصائيات الصندوق القومي للمعاشات أن مقابل كل معاشي يكون عاملان أو ثلاثة في أحسن الظروف الأمر الذي يفسر ضعف صناديق الضمان الاجتماعي ويفك طلاسم اعتمادها على رزق الشهر بالشهر بل انها في أحايين كثيرة تصاب بالمخاطر التي أسست لدرئها وفي تعليق على هذه الخطوة ثمن مدير العلاقات العامة بالصندوق القومي علي محمد الحسن خطوة تكوين مجلس الإدارة الموحد لصناديق الضمان الاجتماعي، وقال إن من شأنها ضمان الاستمرار للصناديق في الأجل الطويل بالنظر لتجربة تجزئة النظام على التمويل المتاح، مما يعني ابتعاده عن اسباب الانهيار، بالإضافة إلى الفوائد الجمة التي يجنيها معاشيو الولايات بمختلف انتماءاتهم، وزاد بقوله إن تكوين المجلس بالصورة الجديدة يتوفر له الدعم السياسي والفني والمالي اللازم لتحريك عجلته إذ تقف على رئاسته وزيرة الرعاية الاجتماعية ويضم في عضويته كلا من واليي الجزيرة والخرطوم لما تتمتعان به من ثقل عمالي كبير بجانب ممثل لحكومة الجنوب وممثلين ثلاثة لبقية الولايات تتناوب على المقاعد حسب الترتيب الأبجدي لحروف أسماء الولايات بجانب اتحادات العمال وأصحاب العمل والمعاشيين ومديري صناديق المعاشات والتأمين الصحي وجهاز الاستثمار الموحد وبعض الخبراء في مجال الضمان الاجتماعي، ولعل ما خرج به الاجتماع الأول للمجلس الموحد من توصيات ينبئ بمستقبل زاهر له إذ شدد على إدراج مديونيات الصناديق ضمن موجهات ميزانية العام 2010 مع ضرورة توسيع مظلة التأمين الاجتماعي لتشمل أكبر عدد من المواطنين مع ضرورة الاهتمام بالجانب الاستثماري لأموال الضمان الاجتماعي بما يعود على الصناديق والمنضوين تحتها بالفائدة الملموسة،
وفي دوائر الخبراء الاقتصاديين يقول البروفيسور عصام بوب إن الأصل في الخدمة المعاشية أن تكون بصورة أساسية تابعة لمؤسسة مركزية تعتمد على جمع نصيب معين تضاف إليه المنافع التي يستحقها الموظف أو العامل، ثم تدفع له بعد مغادرته لكرسي الوظيفة بسبب التقاعد أو لأي سبب آخر، حتى توفر له قدرا من الضمان الاجتماعي لكيلا يكون عالة على غيره بعد فقدانه لوظيفته التي تشكل مصدر رزقه على الأقل في الفترة السابقة، إلا أن الخدمة المعاشية على وجه العموم طالتها بعض التشوهات التي أقعدتها عن القيام بدورها المنوط بها على الوجه الأكمل من حيث النظرية والتطبيق، حيث لا يخفى الإخفاق الواضح في حقوق المعاشيين جراء تأخر صرف استحقاقاتهم لسبب أو لآخر ليس من بينها عدم توفر الأموال، بل مرجعها دائما الفوضى الإدارية وحب التسلط لدى من بيدهم مقاليد أمور الخدمة المعاشية. وأصبح المعاشي عوضا عن أخذ حقوقه عن كرامة يتذلل لها، ولا يفوت علينا أن شرط الحق المعاشي في أي صندوق في العالم هو الدفع الفوري للاستقطاعات أو ما يسمى بالاشتراكات يقابله الدفع الآلي عند التقاعد، فالتشوه الذي شاب الصندوق القومي للمعاشات جراء تأخر وتعنت بعض الولايات في سداد اشتراكات منسوبيها، جعل الصندوق أشبه بالمضاربة في سوق الأوراق المالية، في حين أن الأساس في الخدمة المعاشية كفالة العيش الكريم للموظف المتقاعد، فالمبدأ الذي ينادي البعض في بعض الولايات بإنزاله إلى أرض الواقع بتبعية صناديق المعاشات إلى ولاياتهم مبدأ غير صحيح تنفذ من بين ثناياه رائحة الفساد مزكمة للأنوف، إذ يصبح الهدف عندهم الموارد المعاشية وليس خدمة المتقاعد. ويقول بوب إنه يتنبأ بفشل ذريع لكل صندوق وفقا لهذه الرؤية، ودعا المنادين به إلى ألا تغريهم الموارد الآنية، وقال لهم لكم في تجربة صندوق معاشيي مشروع الجزيرة خير شاهد وواعظ، وختم حديثه إلينا بأن من الشروط أو السمات الأولى لصندوق المعاشات تحليه بالصبغة القومية، وأن يكون له غطاء من الدولة وضمان يعصمه من الانهيار حمايةً لعضويته. وفي ذات المنحى يقول المستشار الفني بالصندوق القومي للتأمين الاجتماعي والخبير في أنظمة الضمان الاجتماعي شريف عبود، إن نظام الحماية الاجتماعية أو التكافل في رأيه عبارة عن كل ما يمكن أن يساعد الإنسان في تدابير مجابهة الآثار والظروف التي تجابهه، وينقسم إلى قسمين، جزء خاص بالرعاية الاجتماعية، وآخر بالأمن، والأمن ينقسم إلى أمن من الغزو الخارجي ويناط بالقوات المسلحة توفيره، وأمن داخلى يقع على عاتق الشرطة إسداؤه، وأمن سياسي مثل الوقاية من التجسس وغيره، وأمن الرعاية الاجتماعية التي تعنى بالتدابير التي ينبغي ان تتخذ لمجابهة الآثار السلبية التي يتعرض لها الإنسان التي من شأنها تهديد دخله، وهي نوعان هما الضمان الاجتماعي والآخر الخدمات الاجتماعية التي يقصد بها الرعاية الصحية والإسكان والتربية والتعليم، كما أن هناك الضمان الاجتماعي ويقصد به مجموعة التدابير التي توجه لتوفير البديل النقدي في حالة فقدان الدخل بعامل الشيخوخة أو العجز أو الوفاة، وينقسم الى التأمينات الاجتماعية والمساعدات الاجتماعية «الزكاة»، ويقصد بالتأمينات الاجتماعية التدابير لتوفير البديل النقدي للقطاع النشط اقتصاديا بمشاركته في التمويل، وهناك قطاع الزكاة أو المساعدات للفقراء والمساكين والشرائح الضعيفة بالمجتمع. ويرى أن يكون نظام الضمان الاجتماعي قوميا أو اتحاديا وألا يكون ولائيا اللهم إلا في ما يتعلق بتوفير الخدمة نفسها، أي بايجاد أو توفير فروع بالولايات لتقديم الخدمة. ويقول ما يدلل على صحة رأيه أنه حتى على مستوى الدول الممعنة في الفيدرالية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، فإن النظام بها قومي، وذلك بغرض تحقيق المساواة والعدالة عن طريق توفير السياسة العامة، ولهذه المزايا ليس هناك مكان لجدوى الحجج التي قدمها ذوو الاختصاص بأن ولائية الصناديق الاجتماعية مفيدة في الضمان الاجتماعي، لأن نظريته، أي الضمان الاجتماعي، قائمة على قانون الأعداد الكبيرة التي مؤداها أنه كلما كبر عدد الأفراد الذين يحتمل تعرضهم لخطر موحد قل نصيب الفرد في تحمل تكلفة هذا الخطر. والسؤال الملح في هذا الصدد الذي طرحه شريف هو هل من الأفضل أن تكون أعداد الأفراد بالسودان في نظام موحد أم تكون كل ولاية على حدة؟ وليس بعيدا عن جدلية تبعية الصناديق إلى الولايات أو الحكومة الاتحادية، نجد أن معاشيي مشروع الجزيرة يعانون الأمرين من جراء انفصالهم عن الصندوق القومي للمعاشات، بالرغم من أنهم قد كونوا لهم صندوقا خاصا بهم في الفترة التي كان المشروع فيها في قمة عطائه، ولكن بعد تراجعه القهقري لم يكن للعاملين به من سبيل سوى مطالبتهم بالانضمام للصندوق القومي للمعاشات .
عليه توقع جميع الخبراء وذوو الاختصاص أن يكون للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للعاملين بالقطاع الحكومي والقطاع الخاص سيكون له شأن عظيم في معالجة الأدواء التي استشرت في أجساد صناديق الضمان الحالية التي يعزف كل واحد منها بمعزل عن الآخر .
محمد صديق أحمد :الصحافة