داليا الياس

جراب الحاوي


[JUSTIFY]
جراب الحاوي

سلام يا بت إلياس!!

إليك اليوم بعض خواطري.. لا أدري عن أي زمن تحكي ولا في أي وقت كانت.. لكنها تراود نيرونات الدماغ في أحايين كثيرة..

لقد كانت دنيا هذا البطل حبلى بالأحداث وكانت الأيام لا تبخل عليه بالحظ السعيد ولعله السحر العجيب.. أن يدخل يده في جيبه فتخرج فرحى بأمل الغد. كانت حياته جراباً فكان هو الحاوي..

اقرأي ولا ترتقي.. ولكن غوصي فأسمعي..

****

*حين ملأ الزمان سلة مستقبله بذاك الأسود الذي تسيل له بنوك الفرنجة خوفاً وطمعاً تيقن الرجل أن للأوطان في دم كل حر دين مستحق.. وللآبار كذلك. لكنه كان واثقاً أن البناء سينشأ يوماً ما ليزاحم حضارات سبقته بقرون.. وإن هي إلا بضع سنوات عجاف لا تنفك أن تمر شجراً وعهداً، فكان الوعد بأن كل ما نوده هو ما في باطن الأرض.. وإليك كل ما توده فوقها من خيرات وورود ذات ألوان مختلفة وثمار لا تنمو لكنها تقطف.

توقف لوهلة وطلب أن تكون هاتيك الشجرة ذات ثمار وفيرة ولكن لم تكن الأرض لتبادل أخضرها بيابس، ولكنها أم البشر لا تخطيء عينها من بذل واستبسل.. فكان أن نبتت شجرة ذات غصون عظيمة.. وظل مهيبا يسكنه البرد ولا تغيب عنه حرارة الشمس.. كانوا يستظلون بها ولا يتوقون لثمارها العالية ذات الألوان المشرقة.. وكانوا لا يدرون لعل الأرض قد اختارت أرض الشجرة رمزاً للأشياء التي لا تأتي إلا زمن القفر الأخضر والبدر الأحمر.

وحين ابتدر الزمن بأخذ الروح وجلس الشيخ وكبر وقال إن الوطن سيبقى أكبر والورد المزهر لن يصغر.. جاء الحفدة وما كانوا إلا حفظة.. آمالهم بعرض السماء ونظرتهم لا تسبق مشيتهم إلا بأمتار قليلة. عكفوا على السقيا وأصبحوا للشجرة سقاة وللجذع رعاة وأقسموا أن يبروا الجغرافيا جهداً ولا يولون للتاريخ بالاً.

وذات يوم لم تكن السماء بنفس الإشراق ولا الأفق بنفس الحنان وجاء الساقي يمشي ويسأل “أين الثمر المزهر؟” وكيف الصفق الأخضر لا يخضر.. فكان الأمر الجلل وكان البدر يردد.. أن الجذر النابت في الأعماق تبدل.. وطفق الكل يثبت فأساً في الأرض يقسم يضرب أخماساً في أسداس.. لا يألف بعضها بعضاً, يريد الأرض التي لا تأبى إلا أن تثمر

فأخذ الأكبر أرض الحزن الأكبر وكان الأصغر ممن أخذ الأيسر.. مما قد يثمر وتلقى أوسطهم الجذع الأسمر من الشجرة فكان المعبر بين أخاه الأكبر وذاك الأصغر.

وإذ بالشجرة لا تثمر إلا ثوباً لا ينوي لبساً أو وعداً لا يبغي عملاً إلا يسراً كان ولا تعباً، وطفق الأكبر يضرب أطراف الأرض يبغي سقيا تثمر زهراً تطلع ثمراً..

وجاء الشيخ الزاهي لونه يدعو الناس أن الريح قد هبت وأن ناصبت شجرتنا العداء فهلموا لفؤوس القطيعة نلقن شجر الدنيا درسا لا ينسى ونضرب طوقاً حول العزلة لا يسمح إلا بمرور ماء السقيا في ليل اللقيا، عساهم أهل الأرض أن يهتدوا لأن الأرض لن تنبت من ثمر.. إلا من شجرة الأخ الأكبر.

أما الشمس فغابت صارت لا تمطر ضوءاً ولا تبغي قمرا.. وأضحى الصبح سماءا لا تشبه غيماً ولكن دوما ترضي ضيماً..

فكان الوعد الزائف أن الثمر يضحى بشراً وكان الورد الخائف يمشي يبغي أرضاً لا ترضى منه إلا التالف.. وجاء الفجر يحمل نبأ الغيم الراجع أن الأرض لا تثمر بشراً بل لا تملك آبار الأرض بصراً.. وأن الليل الأسود لم يأخذ لون السيف البارق من أسطول يبحر سيلاً في أرض لا ترضى هوناً لا تمشي حيناً وأن البشر يكونوا بشراً حين تكون أشجار النبت الصالح عدلاً لا يأخذ اسم الساقي رقماً يغمس فيه ضروب السحر ويعمل فيه فنون الظلم ولا يمسك أيدي ضحايا القهر ويغدو للطغيان ظهيرا..

أين السيف وأين الفأس؟ وكيف تراجع غضب البأس؟ ومن يحمل اليوم أطراف الكأس؟.. النازف ندماً من أندلس الشام إلى ظلمات بحر الحي الميت غبناً بالأسمنت الناشز فوق الأرض يغطي وهج الشمس ويعطي ذهب الأرض غطاءا حانيا.. يذهب معه فرح الشرق بأكمل وجه..

وإذ بالذئب المتربص يوماً يضحك أن السور العالي قد يتفتت ويذهب عنهم بؤس الحال ليأتي إليهم براحة بال.. لا عاصم اليوم من ماء الأرض سوى الأعمال الصالحات.!!

أين المال القابع في الطرقات ولِمَ الأرض لا تنبت ذاك الأسود اللامع في اللمسات.. وكيف الناس كثيرا سارت نحو الشرق النائم في رحم الأحزان.؟!

جاء الأمس يحمل نعش اليوم وينعي فجر الغد ويخطو في كلمات لا تحمل إلا عبقا.. وقال.. يا من كنتم تأتون الناس فرادى وتمشوا جماعة.. لا تثريب أن البدر يغادر حينا ويظهر حينا.. تعالوا هلموا ابحروا فينا سفناً لا تذهب غير الشط.!

تلويح:

صديقى (مازن أبو سن) في الإمارات البديعة.. تبا للغربة التي أخذت روعتك بعيدا.
[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي