تحقيقات وتقارير

من المسؤول.. تزايد حالات تزوير الأراضي مع غياب العقوبات الرادعة


364 حالة خلال العام 2008 وسط إجراءات المحاكم السلحفائية
أوفقت دائرة مكافحة جرائم المعلوماتية فرع مخالفات الأراضي شبكة إجرامية وصفتها بالخطيرة مكونة من (5) أشخاص يتزعمها محامٍ وتعمل الشبكة على اصدار التوكيلات والتوثيقات بواسطة ختم بارز تمت سرقته من محامٍ آخر.. وكشف فرع التحري لمخالفات الأراضي عن وقوع عدد من الضحايا للاحتيال خارج السودان وداخله لتعاملهم مع الشبكة الإجرامية وشرائهم لأراضي في مناطق متعددة بالعاصمة وولاية الجزيرة بواسطة التوكيلات والتوثيقات المزورة.. وقال رئيس فرع التحري ان معظم أفراد الشبكة من المطلوبين في بلاغات أخرى داعيا كافة المواطنين من أخذ الحيطة والحذر في تعاملات الأراضي خاصة المتعلقة بأغراض البيع والشراء والرهن وان يتعاملوا مع المحامين المعروفين بمكاتبهم والتأكد من إجراءاتهم عبر الجهات المختصة فقط.. وتعتبر هذه الجريمة واحدة من الجرائم الكثيرة التي ازدادت خلال السنوات القليلة الماضية.. فهل هنالك احصائية بجملة الجرائم في مخالفات الأراضي حتى الآن؟ وما هي أسباب هذه المخالفات؟ وما هي إمكانية الخروج منها؟ جلسنا مع جهات الاختصاص فكانت هذه الحصيلة:
تحقيق : أمل التجاني
مسؤول: لابد من إجراءات احترازية ضد تطور أساليب التزوير
محامٍ: شح الضوابط والحاجة.. أسباب مباشرة لمخالفات الأراضي
تورط محامين في قضايا التزوير يزيد الطين بله
جملة متهمين
كثيرة هى جرائم التزوير ومتزايدة عام بعد آخر ويشهد بذلك مبنى نيابة مخالفات.. أكثر من 31 متهما فى بلاغ تحت المواد 21-24-65-123-178-177-2 من القانون الجنائي لسنة 1991 لنيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة متعلق بتزوير مستندات 41 قطعة أرض فى الخوجلاب والثورات 67-68-69-70 بما فيهم القطعة رقم 328 الحارة 67 الثورة والشاكى فيها عبد الحى عبد الله راشد الذى ترد قصته بقوله «حضر لى سمسار وعرض على قطعة ارض رقم 328 الثورة الحارة 27 الدرجة الاولى وتمت المبايعة بواسطة وكيل وبعقد وبايصال مالى بمبلغ تسعة عشر الف جنيه.. بعد فترة طالبتهم بشهادة البحث ومن ثم حضر لى شخص من المباحث كمشترى للقطعة استلم الأوراق منى وقال لى الورق مزور حسب علمه بالموضوع وقلت له اشتريت القطعة بحر مالى.. فقام بفتح بلاغ ضدى فما كان منى الا ان توجهت انا والوكيل لوزارة الاسكان وقابلنا شخص هو مقرر لجنة القرعة وتم تحويلنا الى الشرطة الامنية (نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة) واستلموا منا كل الاوراق التى تخص القطعة وتم تحويل المتهم لشاكى وتم القبض على المدعو هاشم محمد عمر عبد الله واسمه الحقيقى عثمان بابكر شيخ ادريس (المشترى منه القطعة) وتم القبض عليه وافرج عنه بالكفالة المالية لصالح الشاكى فى البلاغ بضمانة اربعة اشخاص وعند البحث عليه مرة اخرى لم استطع القبض عليه ولم اجد الضامنين الاربعة فى عنوانيهم الاصلية والحق أقول ان أوراقي التى قدمتها للمتحرى فى هذه القضية لم تحول الى المحكمة ولم اجد الاوراق الاصلية وقد قام القاضى باعطائى ورقة لوكيل النيابة وقد رأى وكيل النيابة بان الورق بنفس الرقم وهو ليس الورق الاصلي)
حالة أخرى
أما معتز التيجاني حدثنا عن الواقعة التى حدثت للقطعة التى تخص والدته قائلا:»كان لها قطعة ارض فى منطقة ابوسعد مربع 16 خالية تماما وبسبب ظروف الحياة وانشغالنا عن القطعة لم نلتفت لها.. وفى يوم ذهبت الى مكتب الاراضى لاستخراج تصريح بناء فقال لى مسؤول ان القطعة تم بيعها ولن يزيد عن ذلك.. فزعت الوالدة لذلك وذهبنا الى المحامى الذى دلنا على ضرورة فتح بلاغ فى قسم منطقة قسم ابوسعد وقام المتحرى بالتحري معنا واعطيناه شهادة البحث التى بطرفنا فتم ارسال متحرى للارض ليتحرى عن القطعة فقام باحضار جميع المعلومات المتعلقة بها واتضح لنا انها بيعت لمغترب فى السعودية ومن خلال البيانات المتوافرة لدى المتحرى اتضح لنا ان اسم الوالدة نفسه هو نفس اسم المتنازل او بايع القطعة.. واكتشفنا بعدها بتزوير واستخراج اوراق ثبوتية بان الوالدة ترقد فى المستشفى وذهب المشترى اليها مع المحامى والشهود حتى تم بيع القطعة امامه وقد اشترك فى تزوير هذه القطعة محامون ومساحو ارض وسمساري.. اخذت القضية مجراها وتم استخراج اذن للبحث والتحرى عن المتهمين واذن قبض لهم واخذت هذه القضية اكثر من عامين فى المحكمة وفى النهاية تم الحكم على المحامى بستة اشهر مع الايقاف بسبب كبر سنه اما السمسار والمساح بعام فقط وهم من معتادي التزوير فى الأراضي وتم إعادة الحق لأصحابه وقد تسببت هذه القضية بارهاق معنوى ومادى لنا وطول مدة اجراءات المحكمة بجانب اشتراكى انا شخصيا فى القبض على المتهمين والبحث عنهم «
عوامل عدة
عمر محمد عثمان المحامي عزا زيادة معدلات التزوير عموما (عملة او شهادات دراسة اوشهادات بحث) للوضع الاقتصادى المتردى الذى ساهم ويساهم فى ارتفاع معدلات الجريمة بشكل كبير.. الى جانب اشكاليات القانون ووضعه لسقف معين للعقوبة.. فمثلا جرائم الشيكات لا يتعدى الحكم فيها عن خمس سنوات وغالبا ما تحكم المحكمة بستة أشهر فقط وتحسب من وقت انتطار المحاكمة.. ايضا عقوبة التزوير لا تتعدى سبعة أعوام للموظف العام وخمسة اعوام للمواطن وتحسب من مدة الانتظار.. وقد تحكم على الجاني بستة أشهر يكون قد قضاها فى الانتظار.. ويرى الاستاذ عمر محمد عدم التشدد فى العقوبة من السلطات القضائية سبب كافٍ فى استشراء الجريمة وعند سؤالنا له عن طول اجراءات المحاكمة لمتهمين فى قضايا التزوير وملل المطالبين من طول الانتظار اوضح عمر ان الدعاوى الجنائية لايجد تساهل فى الفصل فيها ولا تأخذ وقتا طويلا في المحكمة أما الدعاوى المدنية فطبيعة حالها تتأخر لوقت طويل داخل المحكمة.. مبنينا ان اكثر حالات تزوير شهادات بحث الاراضى تقع على العقارات المتعلقة بالورثة القديمة التى لاتتابع الاجراءت من قبل الوراث.. ايضا السماسرة المتعاملون فى مجال التسجيل والمحامين عديمي الذمم لهم دور كبير فى ازدياد حالات التزوير فى شهادات بحث الاراضى ولذا من المهم ان يتابع المواطن اجراءات التسجيل بنفسه وبدقة شديدة ولايتركها لتلاعب السماسرة والمحامين.
ضرورة التحوط
جلال حسين يوسف المحامي أكد مقولة المحامي عمر حاثا على التحوط بقوله «كلما تطورات وسائل الحماية كلما تطورت وسائل التزوير.. طالما كان هنالك انسان سوى وانسان آخر غير سوى تظل الجريمة قائمة.. ان التهاون فى التسجيل فى التوكيل لفترات طويلة سبب كبير فى ضياع الحقوق.. واذا ما تم تسجيل الارض فهذا يحد من الجريمة وفى رأى ان خفض أسعار التسجيل تشجع على الإقبال عليه عكس ما يتم الآن قائلا ان الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها سلطات الاراضى فى وضع الصور الملونة والبطاقات الملونة حدت من اجراءات التزوير او قللت منه وذلك من خلال عملى داخل المحاكم مطالبا المواطنين بضرورة الاهتمام بمباشرة اجراءات التسجيل وتسوير القطعة والبناء فيها وان لزم الامر وضع غفير عليها حتى لا تكون عرضة لبيع مرة اخرى».
للمحامين دورهم
وحول ازدياد التزوير فى شهادات بحث الاراضى عزا المحامى عبد المنعم مبارك هذا لعدة اسباب منها اولا الظروف الاقتصادية وثانيا عدم وجود ضوابط لشهادات البحث وتركها لوكلاء يتلاعبون فيها.. فقبل ذلك عندما كنت مستشارا فى احد البنوك حدث تزوير فى شهادة البحث بغرض الرهن من قبل وكيل وتم رهن القطعة من قبل محامٍ.. هنالك محامون ضعاف النفوس يشاركون فى مثل هذه العمليات بموارد مالية ضخمة.. ولذا من المهم حتى يصبح للتوكيل قوة ان يتم امام المحكمة بحضور المالك والموكل واثنين من الشهود..ايضا السماسرة لهم دور كبير فى الاسهام فى ازدياد معدلات التزوير فى الاراضى وذلك باحضارهم لاى شخص باوراق مزورة امام محامٍ على اساس انه وكيل شخص غائب.. وعندها يتم البيع وبسهولة شديدة قائلا انه بالرغم من الضوابط الاحترازية التى وضعتها سلطات الاراضى بوجوب وضع صورة شخصية الا ان السماسرة والمحامين -الذين يشوهون وجه المهنة- يتفنون فى اشكال التزوير والتحايل على هذه الضوابط الاحترازية وقال الأستاذ عبد المنعم ان المادة 123 تزوير والمادة 178 من القانون الجنائي عقوبتهما غير رادعة فقد يكون المتهم منتظرا في الحبس ستة أشهر أو عاما ومن ثم يحكم له بالمدة نفسها او اكثر بقليل فيخرج من الحبس ويبدأ من جديد فى مزاولة جرائم التزوير.. فعادة ما يكون المتهمين فى هذه الجرائم سوابق فمن هنا اطالب بتشديد العقوبة لتصل الى 15-20 عاما بدلا من خمسة او سبعة اعوام للموظف العام حتى لا تتكرر هذه الجرائم مشيرا لسابقة اختلاس حدثت من قبل موظف فى احد البنوك وحكم فيها قاضى ممتاز يدعى مبارك شيخ طويل قاضى نيابة المصارف وكان الحكم بالاعدام وقامت الدنيا ولم تقعد حتى تم تخفيض الحكم فاذا تم الاعدام لكانت الجريمة ذات الارقام الفلكية اختفت من على المصارف.. ومن هنا اقول واكرر ان تشديد العقوبة مهم للحد منها او تقليلها.. فعدد الجرائم الكبيرة يحكم فيها بعقوبات بسيطة تشجع ضعاف النفوس لتكرارها مرة اخرى قائلا ان الضمان فى مثل هذه الجرائم جريمة فى حد ذاته فمهما كان الضمان قويا فمن المفترض ان لايتم قبوله حتى يتم دفع المبلغ كاملا فمثلا كان هنالك متهم مطالب بمبلغ 13 مليار من قبل عشرين شخص وكل جلسة جوكياته فى ازدياد وهو خارج ايام المحاكمة (حايم) على كيفه.
أشكال عدة للتزوير
حول اشكال التزوير والغش التى ترد لنيابات الاراضى توقفنا مع المستشار محمد المصطفى موسى وكيل اعلي نيابة مخالفات الأراضي الذى قال «تتنوع أساليب وأشكال وأنماط التزوير فى مستندات الاراضى من منطقة الى اخرى حسب قيمتها ووعى المتعاملين فيها واكثر هذه الاشكال شيوعا هو تزوير وثائق التوكيل من الملاك.. وقد يكون هذا التوكيل داخليا او خارجيا (من خارج السودان) وبموجب هذه التوكيلات المزورة يتمكن الجناة من الايقاع بمواطنين او جهات اعتبارية حسنة النية كالبنوك ويبرمون التصرفات الجائزة قانونا كالبيوع والرهون مما يتسبب فى خسائر فادحة لهؤلاء ولملاك هذه الاراضى.. تأتى بعد ذلك انتحال شخصية ملاك الاراضى باستخراج وثائق اثبات شخصية كالبطاقة الشخصية واستخدامها فى بيع املاك الغير والايقاع بالضحايا من المشترين..وهنالك العديد من اشكال التزوير وابان المستشار محمد المصطفى ان عدد جرائم التزوير والاحتيال فى الاراضى للاسف الشديد فى تزايد على الرغم من المجهودات المبذولة من الجهات المختصة والمسؤولة عن امر الاراضى ومن باب المقارنة العامة فقط وفى نيابة مخالفات الاراضى وحدها فان جرائم التزوير فى الارض بلغت 210 فى سنة 2007 بينما تصاعدت الى 364 فى سنة 2008..وهنالك اسباب عديدة لذلك بعضها يرجع الى الاهتمام المتزايد بالأرض لارتفاع قيمتها وبعضها يعزا الى التطور التقنى ووجود بعض الثغرات التى نحتاج الى سدها واحكام التنسيق يين الجهات المختصة حماية للمواطن والوطن.
ضرورة تفعيل
وحول العقوبة ورؤية العديد من المحامين فى ان عدم التشدد فيها هو السبب فى تزايد معدلات الجرائم واحتياج الكثيرين للتلاعب فيها أوضح المستشار ان العقوبة المحددة فى القانون الجنائى لجريمة الزوير تصل فى حدها الاقصى الى خمس سنوات للجانى العادي والى سبع سنوات للموظف العام الذى يرتكب الجريمة فى سياق وظيفته..ولو ان السياسة اتجهت الى التشديد فى العقوبة يحدد بصورة ملحوظة من ظاهرة تزوير والاحتيال فى الأراضي مع التأكيد من النواحي الأخرى كرفع وعى المواطن للحد من الظاهرة وتعاون الجهات المختصة واحكام التنسيق بينها وغيرها من المسائل ومن باب التشديد فى السياسية العقابية نرى ضرورة تفعيل حكم المادة 41 من القانون الجنائى غير متعلقة (بالعودة فى ارتكاب الجرائم) المعاقب عليها بالسجن..حيث اجازت هذه المادة للمحاكم امكانية الحكم بالسجن على من ادين اكثر من مرة على جرائم معاقب عليها بالسجن كجريمة التزوير والاحتيال..
المزيد من الأحكام
وحول الاجراءات الاحترازية المتخذة بخصوص تجنب التزوير فى شهادات البحث وهل هى كافية اوضح المستشار محمد المصطفى موسى وكيل اعلى نيابة مخالفات الاراضى ان الاجراءات الاحترازية المتعلقة بالمستندات المستخدمة فى التصرفات القانوية فى الاراضى كشهادة البحث والبطاقات الشخصية ارى بانها تحتاج الى المزيد من الاحكام واكرر ضرورة رفع التنسيق بين الاجهزة المختصة وبخصوص الموضوع المتعلق بتخفيف اجراءات التسجيل فان الملاحظ ان الجهات المختصة فى التسجيل فى مصلحة تسجيلات الاراضى تقوم بهذا التخفيض لتشجيع الناس على ضرورة تسجيل اراضيهم فى اسمائهم..ومهما كانت التكلفة عالية فان الامان الذى يوفره هذا الاجراء للمالك لايمكن ان يقارن بالمخاطر التى من الممكن ان يتعرض لها فى حالة عدم التسجيل.
ثغرة فى الفانون
وعند سؤالنا حول خروج المتهم بكفالة (ضمان) وعند طلبه مرة اخرى لتكملة التحقيق لايحصل عليه ولا على الضامن وهو موت القضية فى هذه الحالة واعتبار ان للضمانة ثغرة فى القانون اوضح المستشار ان نظرية التحرى والمحاكمة تقوم على اساس الموازنة بين مصلحة الشاكى والمتهم..والضمانة حق دستورى وقانوى لايمكن ان يحرم منه المتهم والتضحية به من اجل ارضاء الشاكي وحده لأننا مسؤولون أمام الله والقانون من الطرفين ونحاول بالاجراءات والضمانات القانونية حفظ حقوق الطرفين..ولذا لا اظن البتة ان الضمانة ان تكون ثغرة فى القانون بأي وجه من الوجوه.
واكد المستشار بشدة ان رؤى المواطنين لعقم اجراءات المحاكم كسب دجاجة وخسران بقرة غير صحيحة مطلقا فاجراءات العدالة فيها سعة لكل الاطراف وقضائنا مشهود له بالحنكة وامتلاك المقدرة لانزال هذا المبدأ على ارض الواقع دون اسراف او تقطير او هضم لحق اى طرف..واخيرا اقدم نصحى للمواطنين ان يكونوا حذرين ودقيقين فى تعاملهم فى شأن الاراضى وان يبتعدوا فى التعامل مع المشبوهين وان يتأكدوا بانفسهم من جميع الاجراءات المتعلقة بالارض من الجهات الرسمية المختصة ويكملوا اجراءات تسجيل اراضيهم مهما كانت التكلفة المالية عالية ويجرى حجزا شخصيا على هذه الاراضى لدى تسجيلات الاراضى واعمار وبناء الاراضى السكنية الخالية لانها تشجع على نمو ظاهرة التزوير والاحتيال فى الاراضى
المصدر :الرائد