الطاهر ساتي

مواطن يتبرع لميزانية وزارة ..!!


[ALIGN=CENTER]مواطن يتبرع لميزانية وزارة ..!! [/ALIGN] ** لو لم تحدق عيناي في مستندات تؤكد ذلك ، لما صدق عقلي ما فيها حين تقال شفاهة .. مستندات تؤكد بما لايدع مجالا للشك بأن حياة الناس في بلدي لم تعد لها قيمة عند بعض ولاة الأمر ..حياة رخيصة ، ولم تعد تساوي حتى مبلغا من شاكلة خمسة عشر ألف جنيه، أى خمسة عشر مليون جنيه بالفئة القديمة ..وقبل عرض ما في المستندات من تجاهل وإهمال لحياة الناس ، أدعوك – صديقي القارئ – بالجلوس أمام جهاز حاسوبك ثم عمل بحث سريع عن مادة الإسبستوس ومخاطرها ..!!
** من تلك المخاطر التي كشفتها معامل وتجارب وأبحاث الآخرين كما موضح فى مواقعهم العلمية ، أنها تسبب : تليف الغشاء البلوري ..تليف الرئة ..أورام الأغشية المصلية الخبيثة التي تحدث في الغشاء البلوري أو البريتوني، وهذا الورم نادر الحدوث في الأشخاص الذين لا يتعرضون لألياف الإسبستوس ويزيد معدل الحدوث عند التعرض إلى مائة مرة .. أورام الرئة الخبيثة ويزيد المعدل خمس مرات عن الشخص الطبيعي..أورام خارج الرئة مثل أورام الحنجرة والمعدة والأمعاء والمستقيم ..هكذا تجد مخاطر تلك المادة المحرمة دوليا ، والمستخدمة – أسقفا – في بيوت حلفا الجديدة ومدارسها ومشافيها وأنديتها ومساجدها ورياض أطفالها منذ عام التهجير..!!
** وزارة البيئة والتنمية العمرانية تعرف مخاطر تلك المادة الملوثة على حياة الناس بحلفا الجديدة ، ولها في تقصي أمرها تجارب موثقة ، بل أعلنت الوزارة ذاتها قبل عام عن خطورة الوضع البيئي فى منطقة حلفا الجديدة ، وجاء إعلانها بعد اطلاعها على المعلومات الأولية التي تضمنت احصائيات بعدد وفيات السرطانات المختلفة بالمنطقة للخمس سنوات الماضية « 250 حالة وفاة » .. علما بأن تلك الإحصائية لم تشمل الذين توفوا بذات المرض في مشافي الخرطوم التى حملوا إليها للعلاج والرعاية ..والتقرير الرسمى للوزارة يشير إلي مادة الإسبستوس كمسبب رئيسى مع مسببات أخرى .وقبل عام توقع مدير ادارة الكوارث بالوزراة اعلان الحكومة فور توفر المعلومات – بالمزيد من الدراسات للمادة فى المنطقة – توقع إعلانها منطقة كوارث حتى تتم المعالجة الفورية للآثار..هكذا أعلنت الوزارة قبل عام تقريبا ..!!
** ثم في أكتوبر الفائت حركت ذات الوزارة وفدا من الخبراء والمختصين والفنيين إلي منطقة حلفا الجديدة ، لجلب عينات من مياه المنطقة وترابها والمادة ذاتها ، لإخضاعها للمزيد من التحليل لتحديد نسبة التلوث وخطورتها على المياه والتربة والإنسان .. وذهب الوفد الي هناك ثم عاد بالعينات المطلوبة وسلمها للمعامل المختصة بالخرطوم والجزيرة .. ومنذ ذاك الشهر – أكتوبر – والي يومنا هذا لاتزال نتائج العينات فى «محلك سر » .. نعم ، النتائج غير معروفة لأهل حلفا ، وكذلك للجهة التى جاءت بالعينات وهى: وزارة البيئة والتنمية العمرانية ..السبب : المعامل التى حللت العينات تطالب الوزارة بمبلغ قدره خمسة عشر ألف جنيه ك « رسوم تحليل » .. والوزارة عاجزة عن دفع هذا المبلغ .. « خمستاشر مليون بالقديم » .. تخيل صديقي القارئ : وزارة اتحادية عاجزة – منذ شهر أكتوبر الفائت – عن تسديد رسوم تحاليل عينات ملوثة تهدد حياة أكثر من ثلاثمائة ألف نسمة .. !!
** وأخيرا .. أمام رفض المعامل لتسليم النتائج وعجز الوزارة عن دفع رسومها ، اقترح بعض من أهل الوجع هناك للوزارة جمع التبرعات من عامة الناس لإطلاق سراح النتائج الحبيسة ، فوافقت الوزارة .. فتحركوا في جمعها منذ ليلة البارحة ..وحساب الوزارة ينتظر توريد المبلغ كاملا ، ليوقع وكيلها على « شيك المعامل» ..هكذا القضية .. عامة الناس تتبرع لوزارة حكومية لتدفع رسوم معامل حكومية لاستلام نتائج عينات ملوثة تهدد حياة عامة الناس أيضا .. صبراً سيدي الوكيل ، سيأتيك المبلغ كاملا كما طلبت ، ولكن مغلفا بسؤال حزين فحواه : هل ميزانيتكم صارت أغلى من حياة الناس ..؟؟
إليكم – الصحافة الاربعاء 03/06/2009 .العدد 5724