مصطفى أبو العزائم

السودان والخريف..!


[JUSTIFY]
السودان والخريف..!

وجدت شبه تطابق موسيقي بين العنوان أعلاه – السودان والخريف – وبين اسم إحدى أفضل روايات الأديب المصري العالمي الكبير الأستاذ «نجيب محفوظ» رحمه الله – وهي رواية (السمان والخريف) ولم يقتصر الأمر على الاسم فقط بل تعداه إلى واقع الرواية (الخيالي) وواقع بلادنا، من حيث (الأزمة) التي لا علاج لها على اعتبار أن بطل رواية الراحل نجيب محفوظ يحاول تلمس طريق الخلاص من الخطيئة ولو من باب التوجع المستمر والألم المزمن والعذاب المقيم لأن عقليته لم تتجدد، بعد أن كان ضمن ما أسماه بـ(حزب المثل الأعلى، حزب التضحية والفداء، حزب النزاهة المطلقة) ليتساءل بعد ذلك ضمن أحداث الرواية الصادرة عام 1962 تساؤلات عجز عن الإجابة عليها :(كيف أدركت روحنا الطاهرة الشيخوخة، كيف تدهورنا رويداً رويداً، حتى فقدنا جميل مزايانا؟.. هل نحن نقلب أيدينا في الظلام، يملؤنا الشجن والشعور بالإثم؟… فواحسرتاه)

تلك أزمة «عيسى» بطل رواية «نجيب محفوظ» فهل ترى أي أوجه مقارنة مع أزمة السودان؟ شخصياً أكاد أرى ذلك، فأزمات الدول تكون عادة هي أزمات البشر وأزمات الأشخاص، وقد استهلمت هذه المادة من صورتين نشرتهما «آخرلحظة» يوم أمس على صفحتها الأخيرة، ضمن تقرير أعده زميلنا الأستاذ عيسى جديد – قطعاً ليس هناك علاقة بين عيسى «آخرلحظة» و«عيسى» بطل رواية السمان والخريف. وكان أول ما شد بصري منذ لحظة إخراج المادة على شاشة أجهزة التصميم والإخراج الصحفي، الصورة الأولى التي يظهر فيها المرحومان عمر نور الدائم، وإلى جانبه محمود بشير جماع، عندما كان الأول وزيراً قوياً ومؤثراً في إحدى حكومات السيد الصادق المهدي التي اعقبت انتفاضة أبريل 1985م، بينما كان الراحل المهندس محمود بشير جماع وزيراً للبنية التحتية في ذات الحكومة، وهما يتفقدان آثار سيول وفيضانات وأمطار 1988م الأكثر شهرة في إذابة كثير من المنازل وإزالة وهدم كثير من البنى التحتية من طرق ومبان عامة ومدارس وبيوت.

نعم.. ذلك ما شد بصري مع الصورة الثانية التي يظهر فيها الدكتور عبدالرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم، وإلى جانبه المهندس أحمد قاسم وزير البنى التحتية، ومعها معتمد محلية كرري وهم يتفقدون ذات المناطق – ربما – وذات المخلفات المأساوية والآثار المدمرة لأمطار وسيول (غير مفاجئة).. والفرق بين الصورتين ربع قرن كامل، ولا نعرف إن كانت (صحافة المستقبل) بعد ربع قرن آخر ستنشر صور المسؤولين وهم يتفقدون آثار السيول والأمطار مثلما يحدث عندنا كل عام.. أم أننا سنجد حلولاً لـ(مأساتنا) الأزلية(؟).

نحن في حاجة إلى قرارات (صادمة) و(شجاعة) إذ لابد أن نعيد تخطيط المدن، وفق المفاهيم والأسس والمناهج العلمية، وأن تكون هناك (عقوبات رادعة) في مواجهة المخالفين، الذين يشيدون منازلهم في مجاري السيول (المعروفة) ولابد لنا أن نعيد تخطيط بعض مدننا الكبرى، مثل مدينة «أمدرمان» العريقة، وقد ظللنا على الدوام نؤكد على أن قيمة هذه المدينة العظيمة تكمن في تاريخها ومجتمعها وإنسانها الأكثر تأثيراً على غيره، لكنها من حيث «الشكل» و«التخطيط» هي نموذج للفوضى الهندسية، خاصة تلك الأحياء القديمة التي ولدنا وترعرعنا وكبرنا فيها، مثل أحياء «المسالة» و«الركابية» و«زريبة الكاشف» و«حي السوق» وأحياء «حي العرب» و«الموردة القديمة» وأبوروف و«بيت المال» وغيرها، وقد حاولت حكومات سابقة عديدة إعادة تخطيط هذه الأحياء وبذلت المال والوقت وقطع الأراضي الجديدة، لكنها لم تفلح إلا قليلاً، لتنشأ لنا أحياء جديدة فخمة مثل «امتداد بيت المال» ونقف عند ذلك الحد، في وقت نجد فيه أن أجمل أحياء أمدرمان الحالية هي امتداداتها الجديدة الجيدة التخطيط مثل «الثورات» وأحياء «أبوسعد» الجديدة وبعض امتدادات «أمبدة» الحديثة، وأحياء مثل «مدينة النيل» و«الروضة» و«الواحة» وغيرها.

المدينة التي هي عاصمتنا الوطنية تشكل أيضاً ضلعاً ثالثاً ومهماً لعاصمة بلادنا المثلثة، لكنها تحتاج إلى إعادة نظر في أمر تخطيطها لتصبح مدينة حديثة مع الدعوة لإنشاء مدينة أخري حديثة تحمل اسم «امدرمان الجديدة» تضم بيوت ومنازل الذين اقتطع التخطيط منازلهم أو جزءاً منها.

أعيدوا تخطيط المدينة العريقة، فالخرطوم أفضل، وبحري أكثر حداثة، وأعيدوا تخطيط الأحياء الطرفية بـ(القانون) لأن تكرار المأساة كل عام وخريف، حتى لا نقول مثلما قال «عيسى» بطل رواية «السمان والخريف» بأسى وحزن وأسف «واحسرتاه».

[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]