هيثم صديق

هدنة خريفية


[JUSTIFY]
هدنة خريفية

أعلنت إسرائيل عن هدنة لثلاثة أيام مع ما تبقى من غزة وسحبت آلاياتها تمهيدا للعودة من جديد بعد أن أصبح كل العالم في اختبار مع إنسانيته، وهو يشاهد الوحشية في أكثر صورها قباحة.

الخريف أيضا بحكمة الله الحكيم قد دخل في هدنة فغابت الأمطار لأيام، فالخريف منازل و(عِيَن- جمع عينة) يعرفها أهل الزراعة يجعلونها للحش مرة وللتجفيف وللعزق وما شاكل ذلك..

كانت بيوت الطين قبل زمان ليس بالبعيد تتهيأ للخريف بالزبالة، فترى اللواري تجوب الطرقات تنادي على بضاعتها المرغوبة والمنازل في مرتفع من الأرض.

كان الناس يطهون البليلة بشارة للخريف أو كرامة ليكون مغداقا لينفع الزرع والأنعام..

أصبح الخريف مخيفا جدا وموسم أحزان لأن أمطاره تقبع في البرك مولدة للناموس والذباب والبعوض وتحول بين الناس ومشاغلها.

كان الخريف هو الفصل المحبب لجميع السودانيين بلا استثناء قبل أن تتحول الأفضلية للشتاء، ولقد تابعت عشرات الحوارات الصحافية مع مشاهير ورجال مجتمع وكان جوابهم أن أفضل فصل بالنسبة لهم هو الشتاء، ولو سألتهم قبل أعوام قليلة لقالوا إن الخريف هو فصلهم لما كانت له الأغاني والأماني لما كان يمر بدون كاني ماني

حل الخريف حلا

أهلا به وسهلا

كانت تلك أهزوجة الجميع قبل أن تصبح أغنية الهوام المفضلة

الخريف أصبح موسما للأحزان وكشف حال البلد وصعقات الكهرباء والغرق وتقبل الإغاثات.

إن أخوف ما نخافه في هذه الأمطار هي الكهرباء، وكيف أن أكثر من نصف الضحايا كانوا منها لما أصبحت أسلاكها في الماء كامنة كالتماسيح التي تنتظر المعونات.

والنيل الأفعى يريد أن ينقض أيضا على الناس والماء كالسم يغذي عروقه من مرتفعات إثيوبيا وخيران البلاد وروافد جامحة وجانحة.

وأعجب من التحذير من النيل وفيضانه مع الرجاء بأخذ الحيطة والحذر، وكان على الحكومة أن تعطي القاطن في رخو المكان إما أمانا بإنشاء مصدات أسمنتية دائمة أو تعويضا ليسكن في مكان آخر.

لقد شاهدت لعشرات السنوات كيف أن التراب وجوالات الخيش تأتي لإغاثة منكوب، فإذا به يجعل التراب بعد الخريف مثل إله العجوة الكذوب الذي ضحك عمر بن الخطاب لما تذكره كان يصنعه من عجوة فإذا جاع أكله.. ولقد رأيت التراب وكيف يصبح طينا وكيف يغدو الطين (طوبا)، وينكشف النهر أمام البيت في شهور الجفاف، فإن عاد النيل ككل موسم عادوا ليطلبوا الإعانة..

ليس كل تقصير من الحكومة..
[/JUSTIFY]

هتش – صحيفة اليوم التالي