عبد الجليل سليمان

إجلاء الألسنة


[JUSTIFY]
إجلاء الألسنة

من معاني إجلاء، بجانب المُتداولة، أن تقول أَجْلَىّ عنّا الهمَّ أي أَزاله وكشفه، لكن يظل المعنى الأكثر هيمنة وسطوة ذاك المُتصل بإخلاء الديار عن سكانها حال حلول الكوراث، أو ذاك المرتبط بالعمليات العسكرية عند انسحاب الجيوش، فتقول أُجلي الجيش أي ترك قواعده وخرج من مرابطه ومرابضة.

وفي أحوالنا الراهنة، نحتاج لتفعيلِ العديد من (الإجلاءات)، بعضها يمكن التحدث عنه علانيّة، وبعضها يحتاج لمجازفة. أما الجلاء الأكبر فدون الحديث عنه جهنم ولظى، لذلك نكتفي ببعض ما تيسر ونترك ما تعثر وتعسر إلى حين.

فالسودانيون المقيمون في ليبيا (حالة إنسانية) طارئة تحتاج عمليات إجلاء سريعة وفعّالة أسوة بنظرائهم من رعايا الدول الأخرى، إذ نشرت الصحف أمس أخباراً تكشف عن أن عشرات الآلاف منهم محاصرون الآن في مناطق تدور فيها معاركاً ضارية، حيث قُتل بعضهم، ولا يزال كثيرون منهم جرحى، لا يجدون من يُسعِفهم ويُنقذ حيواتهم.

هؤلاء (المساكين) بينهم أطفال ونساء وعجزة، يعيشون أسوأ حالات الرعب والفزع في انتظار الموت بالرصاص أو الجوع أو المرض، يستنجدون فلا يجدون نجدة، يصرخون فلا يجدون (فزعة)، وها هم الآن ينتظرون الموت أو الموت.. فلنترك كل شيء من أجلهم، ولننهض الآن لإجلائهم حتى نحفظ حيواتهم ونحفظ كرامتنا.

حالة أخرى تحتاج إجلاءً سريعاً، حالة قريبة تتقلب بين أيدينا، كارثةً تحل علينا كل عام، فنقف إزاءها موقف العاجزين المشلولين، فالجرف الخريفي العظيم الذي يحدث كل عام لن ننتصر عليه بالكلام والوعود الجوفاء الزائفة، والمواطن الذي يبني كل عام مسكناً جديداً ليفقده في العالم التالي أصبح كمن يجهز حبل مشنقته وينتظر ساعة الخلاص.

الحالة المتكررة هي التي تحتاج إلى إجلاء نهائي، وليس المواطن المتضرر، ما لم نحسم الأمر بشكل نهائي وقطعي، فإن كل الوعود ستظل باطلة، وكل الخطابات ستكون زائفة، وكل الخطط المؤقتة ستصبح عبثية.

إجلاء أخير: ما تحتاج إلى إجلاء حقيقي هي الألسنة، إذ تقول الحكمة الصينية: إذا أردت أن تكتشف الإنسان العاجز، فانظر إلى لسانه، (فلا تخرجوا ألسنتكم يرحمكم الله)!!

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي