مقالات متنوعة

إجهاض المؤامرة رغم إعلان باريس


إجهاض المؤامرة رغم إعلان باريس
ترى هل طرحت الحركة الشعبية قطاع الشمال على القوى الأجنبية تساؤلات حول أوضاعها الحالية بعد اشتعال الحرب السياقبلية في جنوب السودان وهزيمة قواتها في جنوب كردفان والنيل الأزرق؟!
أصلاً لا يمكن أن يحقق قطاع الشمال أية انتصارات إذا صرفت عنه واشنطن النظر وتركته إسرائيل بلا دعم.. والآن واشنطن مشغولة بمواجهة مشروع استئناف دولة المسلمين الموحدة «الخلافة» في العراق، وإسرائيل تمر بحالة نفسية من انتصار المقاومة الإسلامية في قطاع غزة وقتل العشرات من جنودها وضباطها.
وقبل ذلك هلك القذافي وتصالح إدريس ديبي مع الخرطوم، وها هي فرنسا تحاول ملء الفراغ الذي تركته كل هذه التطورات، فهي قد تجاوزت محطة مفاوضات أديس أبابا، وهي دولة أوروبية تدعي أنها محترمة، لكن فرنسا ليست صاحبة تاريخ محترم ويشهد على ذلك تاريخ الجزائر.. وحاضره أيضاً، فهي وقفت ضد استقلالها في الماضي، ووقفت ضد الحياة الديمقراطية فيها في الحاضر. وهي الآن تريد أن تستغل على ما يبدو تغيب واشنطن عن الشأن السوداني في هذا الوقت لانشغالها بمحاربة نبت دولة عثمانية أخرى في العراق وسوريا متزامناً مع نجاح سياسي إسلامي في تركيا رغم ما بين الحالتين من حاجز فكري سميك وعازل سياسي قوي وحدود جغرافية صارمة ليست مثل الحدود بين العراق وسوريا أو الحدود الإدارية بين إقليم كردستان وبقية المناطق العراقية.
لكن ما دام أن فرنسا استضافت اجتماعات باريس بين طرفين سودانيين، أحدهما متمرد يحمل السلاح والآخر معارض من الداخل، كان يجب عليها أن تتخذ موقفاً يليق بمكانتها في الساحة الدولية يجعل من إعلان باريس الذي أفضت وخلصت إليه تلك الاجتماعات نقطة تحول للأوضاع السياسية في البلاد لصالح المصلحة العليا التي سيجني ثمارها المواطن، لكن الواضح هو أن فكرة هذه الاجتماعات التي رعاها وأشرف عليها الصهيوني الفرنسي «ليفي» هي توحيد كل خصوم النظام السوداني الحاكم في الخارج والداخل، حتى تنجز مرحلة أساسية ومهمة هي عزل الحكومة وإشهاد المجتمع الدولي على ذلك للتهيئة لعمل آخر في مرحلة أخرى، وهي طبعاً لا تعدو أن تكون أماني وإلا كان أولى أن تتحرك القوى الأجنبية في وقت وجيز ضد نظام البعث الدكتاتوري الطائفي القاتل المجرم في دمشق، فالشعارات البراقة التي تطلقها بعض الدول الأوروبية التي ترفض أن تعتذر عما اقترفته في الماضي أثناء مرحلة احتلالها لدول العالم الثالث من جرائم خطيرة وفظيعة ضد الإنسانية، هذه الشعارات لا تنبع من مصداقية، حتى يمكن أن يطمئن متمردو الجبهة الثورية على أنهم دائماً منصورون بالدعم الأجنبي. وإذا ظن هؤلاء المتمردون أن دول الاستكبار تريد أن تمكنهم من الوصول إلى الخرطوم لاستلام السلطة بما تقدمه لهم من دعم شحيح أغلبه يذهب حسب اتهامات بعض قادة التمرد إلى جيوب البعض الآخر، فإن هذه الدول الكبرى لا تضمن أن يقدر المتمردون على الاستمرار في الحكم، وهذا يعني أن ما قدموه من دعم لم يتوفر به المقابل المرجو. وقد خسر الشيوعيون الحكم عام 1971م بعد ثلاثة أيام رغم أنهم استلموه بسيطرتهم على اللواء الأول مدرعات وقوات الحرس الجمهوري.. وضاع على المعسكر الشرقي حليف موءود. وسيضيع على دول الاستكبار أيضاً حليف مهما قدموا له الدعم، بل سيتعرض للإجهاض وهو في رحم المؤامرة، ولن ينفعه إعلان باريس.

الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة