عبد اللطيف البوني

الشىء ونقيضه


[ALIGN=CENTER]الشىء ونقيضه[/ALIGN] في مثل هذا اليوم من العام 1989م، أي قبل عشرين عاماً ان لم تخني الذاكرة (الكبر دخل) والانقاذ في يومها الثالث كنا جلوساً في نادي أساتذة جامعة الخرطوم (نطقس) في أخبار الحكومة الجديدة و(شغالين) سلخ في جلد الناموسة، وكانت جريدة «القوات المسلحة» هي الوحيدة التي تصدر في تلك الأيام وقد أوردت في صفحتى النصف سيراً ذاتية مختصرة لأعضاء مجلس قيادة الثورة مع صور لهم، وقد لفت أحد الاخوة الحضور نظرنا الى ان كل الجماعة من مواليد 1/1 (واحد واحد) أي شهادات تسنين فصاح قائلاً( الشكية لله لا في واحد ولدوه في الدايات ولا في الراهبات)، واكمل آخر السجعة (ولاحبوا في البلاط) ويومها لم يكن مصطلح اهل العوض موجوداً.
الى ذلك ينسب لأحد ظرفاء ام درمان القول انه على (أيام مايو لو كانت لدينا مشكلة بنتصل بعمنا حسن عباس أو عمنا محمد احمد عبد القادر أو عمنا عوض ابوزيد ونشكي ليهم اولادهم، هسة في زمن الجماعة ديل نلقى أعمام وين؟). هاتان الطرفتان تؤكدان ان قادة الانقاذ كلهم جاءوا من أصول ريفية وان أردت مصطلحًا حديثاً قل من المناطق المهمشة حتى وان كانوا ينتمون لثقافة الوسط المركزية.
ليس عسكريو الانقاذ وحدهم من أهل الريف حتى سياسييها المدنيين من أهل الهامش، فالمعروف ان الحركة الاسلامية كانت تعج بذوي الأصول الريفية وأهل الهامش، فعندما التحقنا بجامعة الخرطوم وجدنا رئيس اتحاد الطلاب المرحوم احمد عثمان مكي وهو من كسلا وكان معلم ابتدائي وخلفه بشير آدم رحمة من غرب السودان ثم داود بولاد من غرب السودان وبالتحديد من دارفور ثم التيجاني عبد القادر من كردفان وكل هؤلاء منتمون للحركة الاسلامية وكان معنا في الكلية من قادتها البارزين التيجاني سراج من دارفور وابن عمر محمد من كردفان.
نتيجة لظروف موضوعية وذاتية لم تقم الانقاذ بدور ثورة الريف ضد المدينة انما ركزت على المدينة وبدلاً من تمدين الريف ريفت المدينة ونقلت صفوتها من الريف للمدينة، ولكن لابد من الاعتراف ان الانقاذ فكت احتكارية الثروة والسلطة وادخلت في دائرة الثراء والنخبوية اناساً جدد، فالأمر المؤكد ان كل النخب السودان الاقتصادية والسياسية وبالتالي الاجتماعية هي من صناعة الدولة، فالدولة الاستعمارية صنعت نخبتها (وما زالت متحكمة فينا حتى اليوم)، دولة الاحزاب صنعت نخبها هي الأخرى (وما زالت عاملة فيها عشرة بقرش)، ودولة النميري خلقت نخبتها وهنا نذكر مقولة نميري (الماغنى في زمني دا تاني ما بيغنى)، وفي كل هذه العهود تكون الدولة قد مارست فساداً مقنناً أو غير مقنن لايجاد جماعة مصلحتها، فالانقاذ فكت الاحتكارية ووسعت الدائرة ولكن لمصلحة ناسها، فأدخلت في منصة الصفوية أناساً من الهامش وبالتالي أسهمت في تدوير السلطة والثروة.
نذهب أكثر من ذلك ونقول ان الانقاذ رفعت سقف طموحات الهامش بصورة لم يسبق لها مثيل لانها كانت تعج بأهل الهامش الذين بوأتهم مناصب سياسية أيام التمكين و(الجهاد) وعندما تم التوجه لكيكة السلطة ظهر الفاقد السياسي، فحدث الصراع بين نخبتها ولعل هذا يفسر لنا شراسة هذا الصراع لانه يدخل في دائرة (ظلم ذوي القربى)، فالانقاذ من خلال تركيبتها الاولية (الحركة الاسلامية) أصلا حركة هامش، فعندما كوشت عليها الطبقة الوسطي (المضمحلة) كان الاهتزاز. خلاصة قولنا انها ثورة الهامش التى ثار عليها الهامش.

صحيفة الرأي العام – حاطب ليل
العدد(22693) بتاريخ 2/7/2009)
aalbony@yahoo.com