عادل الباز

الطيب منبطحاً في باريس!!


الطيب منبطحاً في باريس!!
1
ما إن قرأت النبأ العجيب بأن السيد الطيب مصطفى أعلن تأييده لإعلان باريس حتى هرعت للموبايل مستوثقاً من صحته، وسألت أحد الحاضرين للندوة عن صحة الخبر فأكده فلاحقته بسؤال سريع ما إذا كان الطيب مصطفى (شارب شئ؟) فقال : الطيب لا يشرب.. هل كان في كامل قواه العقلية؟ قال : لم يظهر عليه شئ.. فحمدت الله وانتابتني حالة من الفرح الطفولي (وأكاد أطير من الفرح).
أخيراً انضم إلينا الطيب مصطفى نحن معشر “المنبطحين” و”المغفلين” و”الرعاديد” وأخيراً ركب مع ياسر عرمان في سرج واحد!. دنيا السياسة لا تنقضي عجائبها، إنه خبر العام بامتياز. لو أنني كنت في الخرطوم لطلبت من الأميرة سارة أبو أن تطلق زغرودتها المميزة من أعلى لمنبر!!. وكيف لا؟.
2
في الحوار الذي أجراه الصحفي النابه شبارقة الذي يدهشك دائماً بحضوره الصحفي المميز في الوقت الصحيح، مع الطيب مصطفى بدأ الطيب شخصاً مختلفاً فهو داعية للسلام وضد الحرب!! وهو يعتبر أن الجبهة الثورية من أبناء الوطن الذين لابد من لم شملهم في الوطن.
لأول مرة يدرك الطيب أن الحرب تذهب بريح الديمقراطية وتهلك الاقتصاد والحرث والنسل!!.
عجبا لقد بحت أصواتنا ونحن نصارع أستاذ الطيب لسنوات لفهم ما فهمه الآن ولا يملك المرء أن يسعد ويحزن في آن.. إذ لو فهمنا الأستاذ في الوقت الصحيح لأسهم في إيقاف الحرب منذ سنوات ولتورع عن نشر الكراهية بين أبناء الوطن ولكان للوطن فرصة للنجاة من التشنطي. ويسعد المرء الآن لانكشاف الغشاوة عن بصره الوطني فهو حديد.
3
حاولت أن أجد تفسيراً.. بعيداً عن اتهام النوايا وفحص الأجندات.. لماذا هذه الانبطاحة المفاجئة (بلغة الطيب).؟.. يقول أستاذ الطيب : “إن وقف الحرب الذي تضمنه الاتفاق، وأن يوقفوا العدائيات ويجنحوا للسلم هو أهم بند في هذه الاتفاقية”. إذا هذه الأسباب التي دعت الطيب لتأييد إعلان باريس.. حسناً.. أين تضمن إعلان باريس وقف الحرب؟.
بندان في الإعلان ذكرت فيهما الحرب : الفقرة الأولى والثانية من البند الأول. الفقرة الأولى تقول : (وقف الحرب هو المدخل الصحيح لأي حوار وطني وعملية دستورية جادة مع توفير الحريات والوصول لترتيبات حكم انتقالي). الفكرة صحيحة من حيث المبدأ فوقف الحرب مدخل صحيح للحوار الوطني ولكن هل تبني إعلان باريس وقف الحرب؟ هل فهم الطيب مصطفى من هذا النص أن الجبهة الثورية وافقت على وقف الحرب؟.
لنقرأ الفقرة الثانية من الإعلان التي تقول “أعلنت الجبهة استعدادها لوقف العدائيات”.. هذه الفقرة (2) تشرح الفقرة الأولى بوضوح أن الجبهة لم توافق على وقف الحرب إنما وافقت على وقف العدائيات ولأغراض إنسانية. ولا جديد في موقف الجبهة هذا، إذ ظلت تطرحه منذ أمد بعيد وظلت الحكومة ترفض هذا الموقف لسنوات لأنه يعطي الجبهة فرصة لالتقاط أنفاسها وتشوين قواتها لتصعيد الحرب مرة أخرى بحسب الحكومة. لو أن إعلان باريس تبنى وقف إطلاق النار بمعنى وقف الحرب لحصد مساندتنا له دون أي تحفظات، فكل البنود الأخرى يمكن إدارة حوار حولها وهي أصلاً بنود مطروحة في جدول الحوار الوطني بالداخل ويا ليته فعل.
4
ما أدهشني أكثر أن ذات الطيب مصطفى الذي يعلن الآن سعادته بقبول الجبهة الثورية بالحوار والحل السلمي ووقف العدائيات، هو ذات الطيب مصطفى الذي أقام الدنيا ولم يقعدها حتى أسقط تفاق نافع/ عقار الذي هو متقدم بما لا يقاس على إعلان باريس. فاتفاق نافع / عقار يقول في البند الأول (يلتزم الطرفان خلال اللجنة الأمنية المشتركة بالأجندة وبرنامج العمل التالي : أ – تطبيق اتفاق وقف العدائيات بجنوب كردفان في زمن واحد. ب دعم المساعدات الإنسانية بجنوب كردفان ). لو ترك الطيب مصطفى ورهطه ذلك الاتفاق الذي أيدناه وقتها، لو تركوه يمضي لغاياته لوصلنا الآن لوقف الحرب وأصبحنا في بر آمن ولكن بتهريجهم أطالوا عمر الحرب وعدنا نبحث عن “استعداد” لوقف العدائيات وليس اتفاقاً كان بين أيدينا!! فتأمل.
اتفاق نافع عقار يقول : (نتيجة هذا النقاش يشكل موقفاً مشتركاً بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قطاع الشمال خلال حوار سياسي وطني واسع يضم كل الأحزاب السياسية) حوار وطني واسع يضم الجميع، وهو نفس ما نص عليه إعلان باريس فلماذا اتفاق نافع/عقار (انبطاح وخيانة) وإعلان باريس جنوح للسلم؟… أو كما قال.. كان اتفاقا مفتوحاً لاستيعاب الآخرين وليس ثنائياً مغلقاً.. شأنه شأن إعلان باريس الآن؟!!!
5
رغم هذا التناقض في المواقف من أستاذ الطيب ورهطه الذي أفلت من أيدينا فرصة لصنع السلام منذ العام 2011 فأزهق الآلاف من الأرواح البريئة نتيجة للهرج السياسي إلا أنني سعدت بهذا التطور في الموقف السياسي للطيب مصطفى وجنوحه للسلم ووقف الحرب.
6
لأن موقفنا الثابت مع السلام وضد الحرب ومع الحوار الذي هو خير، أدعو الإخوة في المؤتمر الوطني إلى السعي لتطوير إعلان باريس والحوار حوله وليس رفضه بشكل مطلق، خاصة وأن كثيراً من القضايا التي أثارها مطروحة على مائدة الحوار الوطني الجاري بالداخل في ظل إقرار الجبهة الثورية بأن المدخل الصحيح للحوار هو وقف الحرب. إذاً، ليبدأ الحوار حول وقف الحرب والمضي إلى فضاءات الحوار في القضايا الأخرى.

الكاتب : عادل الباز
في ما أري – صحيفة اليوم التالي