تحقيقات وتقارير

حيثيات ما جرى أمس :البـرلمان.. غـياب المسؤولـية..!!


لم يجد رئيس البرلمان أحمد ابراهيم الطاهر، عبارة يلخص بها الحال الذي وصل اليه نواب البرلمان من الغياب المتكرر غير توصيفه بـ» عدم المسؤولية»، فمشهد مقاعد القاعة مترامية الأطراف بهية الشكل، لمن يطل عليها من علي الشرفة العلوية، حيث يجلس الصحفيون، خلال الاسبوع الحالي، بل ولأسابيع مضت، لا يبعث الا بتحريك الرأس الايماء يمنة ويسرة علي طريقة السودانيين المعتادة حين لا يعجبهم الحال، وان فراغ هذه المقاعد وتبعاد الجالسين يعزى للأسبوع الماضي والأسابيع السابقة له الي مقاطعة نواب الحركة الشعبية، الا أن المنظر الذي تكرر أيام الاثنين والثلاثاء وأمس الأربعاء لا مبرر له، اللهم الا اذا كان ذلك يأتي في اطار التكتيك المقصود لتعطيل الجلسات حسب اتهامات شركاء المؤتمر الوطني بالبرلمان.
عندما خرج تحالف قوي جوبا الذي قوامه الأساسي الحركة الشعبية والتجمع الوطني الديمقراطي والأحزاب الجنوبية وفصائل دارفور، التي تحظي جميعها بنسب مقدرة في التمثيل البرلماني، بقياداته وبرلمانييه وسائر فعالياته، في تظاهرات سارت في اتجاه البرلمان بعدة محاولات متكررة تعاركت فيها مع السلطات، وأودع عدد من منسوبيها الحراسات، كان القاسم المشترك للشعارات المرفوعة واللافتات والهتافات الصاخبة في تلك هو المطالبة باجازة القوانين المتصلة بالتحول الديمقراطي، وعلي رأسها قوانين الأمن الوطني، النقابات، الاستفتاء، المشورة الشعبية وغيرها من القوانين، ما جعل ذلك الزخم المراقبين يتوقعون مناقشات وسجالات حامية الوطيس داخل قبة البرلمان، وان تعمل جميع الكتل علي حشد منسوبيها لتسجيل الحضور الكامل في الجلسات، وكانت تصريحات قيادات الحركة الشعبية – الشريك الأكبر- خلال فترة المقاطعة تشكك في توفر النصاب القانوني لتمرير مشروعات القوانين في غيابهم،الأمر الذي يقدح في شرعيتها، لكن نواب الحركة الشعبية الذين حرصوا أن يعودوا الي البرلمان الأثنين الماضي نحو الساعة الواحدة في مشهد كرنفالي لافت، شبهه مراقبون بالزفة لكون أن لحظة التلاقي بينهم وزملاؤهم من نواب المؤتمر الوطني والتجمع الوطني والأعضاء الاخرين الذين يمسكون بمواصلة الجلسات، وما أبدوه من حميمية وعناق و»مقالدة» شكلت مشاهد كانت مثار جذب لعدسات الكاميرات وعيون الصحافيين، الذين توقعوا أن تكون الجلسة المسائية في ذات اليوم والمقرر أن يشارك فيها نواب الحركة الحركة الشعبية بعد مقاطعة للجلسات أمتدت ستة أسابيع، لمناقشة مشروع قانون النقابات، أحد التشريعات مثار الجدل، جلسة ساخنة، غير أن توقعاتهم قد خابت، فمع بداية الجلسة بدأ الأعضاء في التسرب الي خارج القاعة، ومضي التداول الي حين نادي رئيس الجلسة محمد الحسن الأمين، علي النواب المؤيدين للقانون في مرحلة السمات العامة للاجابة بـ»نعم» والرافضين بـ»لا»، وبالفعل لا أحد قال لا، لكن المفاجأة كانت عندما أثار القيادي في كتلة التجمع الوطني، سليمان حامد الحاج نقطة نظام قلبت الأمور رأسا علي عقب، حين أعلن أن النصاب القانوني المطلوب غير مكتمل، وأن الحاضرين داخل القاعة فقط 93 عضوا من جملة 150 عضوا يمثلون الثلث وهو النصاب العادي، وأمر رئيس الجلسة «الحاجب» بقرع الجرس حتي يحمل الأعضاء المتواجدين خارج القاعة الي الدخول لأكمال النصاب، لكن «الفزع» بحسب توصيف رئيس كتلة التجمع حسن أبو سبيب لم يجد ، كما أن عودة نواب الحركة والأحزاب الجنوبية لم يشفع، ما اضطر محمد الحسن الأمين الي تأجيل التصويت علي القانون وقانون المرور في مرحلته النهائية، ومطالبة النواب بالحضور باكرا في جلسة اليوم التالي، ونوه الي تكرار بدء الجلسات خلال الأيام الفائته متأخرة عن موعدها المحدد بساعة كاملة.
ذات سيناريو الاثنين تكرر في جلسة أمس الاربعاء ، مع اختلاف في التفاصيل هذه المرة، فرئيس البرلمان أضطر غاضبا لرفع الجلسة التي تأخرت عن موعدها بنحو 40 دقيقة، بعيد افتتاحها بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، في حين كانت باحة البرلمان وأروقته والكفتريا تكتظ بالأعضاء لحظة انفضاض الجلسة، لكن جدلا اثير بين الكتل حول فض الجلسة، حيث اتهم التجمع الوطني أحمد ابراهيم الطاهر برفع الجلسة وفق تكتيك مقصود ذي صلة بالخلافات علي قانون الأمن، الأمر الذي تصدي له المؤتمر الوطني بالنفي القاطع، وقال الطاهر الذي بدت عليه سمات الغضب مخاطبا النواب « ان الحركة الشعبية والتجمع الوطني وثلاثة أرباع كتلة المؤتمر الوطني غياب»، واعتبر ذلك عدم مسؤولية وأكد أنه سيعقد جلسة الأحد القادم عند العاشرة تماما وسيمنح الأعضاء خمس دقائق للدخول الي القاعة والا سيفض الجلسة، ورأي الناطق باسم كتلة التجمع سليمان حامد أن الطاهر لم يعمل نصوص لائحة تنظيم أعمال المجلس الوطني وانما أقدم علي الخطوة بقصد منه، وقال للصحفيين» تفاجأنا بتعديل الجدول لأكثر من مرتين كما تفاجأنا بادراج قانون الأمن الوطني في الجلسة، وأضاف هذا أمر مقصود لأنهم يريدون تمديد الدورة الحالية»، بينما اعتبر القيادي بالتجمع الوطني فاروق ابو عيسي، نتاج ربكة في المؤتمر الوطني بسبب الضغوط التي مارستها قوي جوبا، وقال لـ«الصحافة» ان الطاهر رفع الجلسة بينما كان النواب في طريقهم الي القاعة ، وأضاف هذا دليل علي وجود خلافات حول القضايا المطروحة خاصة قانون الأمن، لكن القيادي في كتلة المؤتمر الوطني الدكتور ابراهيم غندور نفي للصحفيين أن يكون رفع الجلسة ذا علاقة بخلافات حول قانون الأمن، وقال نائب رئيس البرلمان محمد الحسن الامين ان النواب دأبوا علي الحضور متأخرين، مؤكدا أن الطاهر أعمل اللائحة لعدم وجود النصاب القانوني، وأشار مراقبون الي أن عددا من القوانين التي أجيزت خلال الفترة القليلة الماضية كان يعوزها النصاب القانوني، ومع أن صحف الأمس حملت أنباء عن اتجاه كتلة التجمع لمقاطعة قانون الأمن الوطني حال طرحه للنقاش ، غير أن كتلة الحركة أكدت مشاركتها في المناقشة والتصويت ضد القانون، ما جعل الغياب المتكرر في نظر المراقبين لا صلة له بالقانون.
ومع اقتراب انقضاء أجل البرلمان يري المراقبون تضاربا غير منطقي في المطالبات الكثيفة بتمرير القوانين والغياب المتكرر الذي ينعدم معه النصاب القانون العادي بحضور 150 عضوا من جملة الـ 450 عضوا يشكلون البرلمان، فهل يكون هذا السيناريو سلاحا جديدا من أسلحة المقاطعة البرلمانية أم هو في اطار عدم المسؤولية التي خلص اليها رئيس البرلمان..
Is_hasabo@hotmail.com
اسماعيل حسابو :الصحافة


تعليق واحد

  1. اتضح جليا ان هنالك جهات تسعي جادة لتعطيل مسيرة التحول الديمقراطي من خلال اختلاق المشاكل والعراقيل التي تقود لتاجيل الانتخابات. ادرك هؤلاء حجمهم الطبيعي ومدي قبولهم عند الشعب لذلك فضلوا سياسة ان لم تصلح فضر. ( )