عبد اللطيف البوني

الدولة الغشيمة


[JUSTIFY]
الدولة الغشيمة

(1 )
سمعنا بالدولة القوية والدولة الضعيفة سمعنا بالدولة الفاشلة والدولة الراشدة وكنا قد سمعنا قبل كل ذلك بالدولة المتقدمة والدولة المتخلفة ولاشيء يمنعنا أن نسمع بالدولة العبيطة والدولة المفتحة ويمكن أن نسمع بالدولة العويرة والدولة الفالحة ونسمع بالدولة العاقلة والدولة المجنونة القصد من هذه الرمية هو أن نقول الدولة أصبحت تعامل معاملة الأفراد من حيث خلع الصفات السلوكية ولكن في تقديري أن هذا الأمر لا يستقيم في كل الأحوال فالدولة شخصية اعتبارية وهي أم المؤسسات يمكن أن تخلع عليها بعض صفات الأفراد تجاوزًا ولكن ليس في كل الأحوال
(2 )
لتنزيل ما ذهبنا إليه أعلاه لنضرب مثلاً بما يسمى حرب الوثائق التي أعطاها موقع ويكيليكس شهرة وزخماً فالوثائق كما هو معلوم قديمة قدم البشرية وهي التي يبنى عليها التاريخ لها قوانين تحكمها ولكن بعد ويكيليكس أصبحت أداة من أدوات الصراع داخل الدول أو حتى بين الدول مما جعل الناس يبرعون في صناعتها وفي كيفية تسريبها فراجت الوثائق المفبركة مع الوثائق الحقيقية وأحياناً تكون الوثيقة الواحدة محتوية على جزء حقيقي وآخر مفبرك والقصد هو تمرير المفبرك من خلال الحقيقي وقديماً جاء في إحدى مسرحيات شكسبير إذا أردت أن يصدق الناس كذبك أمزجه بعشرة في المئة من الحقيقة ولكن النسبة الآن ارتفعت إلى خمسين في المئة لا بل يمكن لمطلق الوثيقة المفبركة أن يتحمل بعض الأضرار في سبيل مكاسب أكبر .
(3 )
لا أظن أن هناك دولة راشدة تبني سياستها الخارجية على ما جاء في وثيقة يقول فيها مسؤول إنهم يخادعونها ويظهرون لها خلاف ما يبطنون فهنا الدولة تختلف عن الفرد لأن العلاقة بين الدول تقوم على الشفافية الكاملة وإن شئت كلاماً سوداناوياً قل (امسك لى واقطع ليك) فتطلب أي دولة من الأخرى أشياء محددة على أرض الواقع أشياء ترى بالعين وتلمس باليد ولو أخذنا مثلاً لذلك العلاقات السودانية التشادية فقد مرت بها فترة تقوم على مزاجات فردية وطموحات شخصية تغذيها وثائق قد تكون مضروبة ولكن ما أن جلس المسؤولون مع بعض إلا وطلب كل طرف من الآخر أن يفعل كذا وكذا وان تكف عن كذا وكذا كلها أشياء ترى على أرض الواقع ولامكان هنا لأمزجة وعواطف المسؤولين مهما كان مقامهم وبعدها استقامت العلاقات على الجادة وأظن هذا حدث مع أثيوبيا ومع إرتيريا وقد يحدث مع دول أخرى.
(5 )
مناسبة كل الذي تقدم هو الوثائق المسربة التي سدت علينا الأفق في الآونة الأخيرة فهي وثائق قد تكون حقيقية وقد تكون مفبركة كلياً أو جزئياً هنا تختلف الدول عن الأفراد في مدى التأثر بالوثيقة فالفرد قد يتاذى بالوثيقة حتى ولو كانت مزورة ولكن لا أظن أن دولة مؤسسات يمكن أن تبني سياستها بصفة عامة والخارجية بصفة خاصة على وثيقة مسربة تحتمل الصدق والكذب اللهم إلا إذا كانت تلك الدولة دولة غشيمة والشرح الكثير يفسد المعنى.
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]