عبد اللطيف البوني

دسترة دستورية


[ALIGN=CENTER]دسترة دستورية[/ALIGN] الجدل الدستوري عندما يختلط بالسياسة يكون ممتعاً اذا قام على قاعدة اللعب النظيف، فالامم عندما يتحاكم سياسيوها للدستور يعني انها اصبحت منضبطة دستوريا هذا من ناحية نظرية بحتة، ولكن الشاهد ان الواقع السياسي هو المتحكم بغض النظر عن تطابقه مع الدستور أو مجانبته له.
على حسب علمي ان اهم قضية دستورية شهدتها بلادنا كانت قضية حل الحزب الشيوعي السوداني في العام 1965م اذ رفع قانونيو الحزب قضية دستورية كانت نتيجتها لصالحهم ولكن الحكومة برئاسة الازهري رفضت الانصياع لقرار المحكمة وقد قام الدكتور حسن الترابي (برقعها) بفتوى دستورية صدرت في كتيب أساسها انه ليس من حق المحكمة مراجعة قرار الجمعية التأسيسية لأنها تعلو ولا يعلى عليها، ولعل الطريف ان رئيس القضاء يومذاك السيد بابكر عوض الله استقال دفاعاً عن هيبة القضاء التي أراقها السياسيون ولكن للأسف تحرك بابكر عوض بدبابة من خور عمر ومزق ماتبقى من مؤسسسات دستورية في مايو 1969م.
في العام 1968م اتفق حزبا الامة جناح الامام الهادي والحزب الاتحادي الديمقراطي المتوحد حديثاً يومها على حل الجمعية التأسيسية المتمسك بها حزب الامة جناح الصادق، فقام النواب الموالين للحزبين بتقديم استقالاتهم لمجلس السيادة الذي قام بحل الجمعية، ويقال ان الفكرة نبعت من القطب الشيوعي عزالدين علي عامر، فرفع السيد الصادق قضية دستورية باعتبار ان حل الجمعية ليس دستورياً ولكن مجيء مايو جعل تلك القضية تذهب مع الريح. اذن في الحالتين قوة السياسة كانت اكبر من الدستور.
اليوم نحن أمام جدل دستوري حول دستورية الحكومة الحالية، فالبعض قال بنهايتها يوم الخميس الماضي باعتبار ان الدستور المنشيء لها يقول ان هناك انتخابات يجب ان تجرى بعد اربع سنوات من قيامها، بينما تقول الحكومة انه يوجد في ذات الدستور نص يقول ان عمرها يجب ان ينتهي بنهاية الفترة الانتقالية في يوليو 2011م، اما الانتخابات فمن حق الشريكان تأجيلها عن الموعد المضروب لها. اذن نحن موعودون بجدل قانوني دستوري قد يكون ظريفاً أو خشناً وفي النهاية سوف يحدث ما حدث في السابقتين أعلاه أي ان قوة الواقع السياسي هي الحاسمة.
من اللطائف التي ظهرت لنا حتى الآن السؤال الذي طُرح وهو: من أين تبدأ دستورية الحكومة الحالية؟ هل من يوم الجمعة 30 يونيو 1989م؟ لماذا تفاهمت الحركة وبقية المعارضات معها وهي غير دستورية؟ لا بل أحد الفقهاء الدستوريين قال ان اتفاقية نيفاشا التي تأسس عليها الدستور الانتقالي الحالي ليست دستورية لأنها مخالفة لدستور 1989 (دستور التوالي) لأن هذا الدستور يقول ان الحكومة وليس حزبها هي التي ينبغي ان تبرم الاتفاقيات. والأظرف من كل هذا ان أحد القانونيين القائلين بعدم دستورية الحكومة قيل له طالما انكم متمسكون بهذا الدستور الانتقالي، فالدستور يحدد الاجراءات التي يجب ان تتبع في حالة انتهاكه، أي يجب ان ترفعوا قضية دستورية، فقال لن نذهب للمحكمة الدستورية لأن المؤتمر والحركة لم يذهبا للمحكمة الدستورية في قضية أبيي بل ذهبا الى لاهاى (يعني الجماعة في بالهم لاهاى) وآخر في ذات السياق سئل أين نص الدستور الذي يقول بوجوب قيام حكومة تكنوقراط أو حكومة قومية في حال عدم قيام الانتخابات في يوليو 2009م؟ فقال لا يوجد نص لكن الواقع السياسي يفرض ذلك (طيب الواقع السياسي ما ممكن يخلي الجماعة ديل قاعدين؟) وثالث قال انهم سوف ينزلون الشارع ولكن ليس لاسقاط الحكومة (سكسكة يعني؟) ويتواصل الفيلم…

صحيفة الرأي العام – حاطب ليل
بتاريخ13/7/2009)
aalbony@yahoo.com