حيدر المكاشفي

حليلك بتسرقي فرخاية


[JUSTIFY]
حليلك بتسرقي فرخاية

لم أكن قد اطلعت على الخبر المحزن الذي يقطع نياط القلوب الذي نشرته بعض صحف الخرطوم قبل نحو ثلاثة أيام ،ومفاده أن شابة عشرينية ضبطت متلبسة بسرقة دجاجة من سوبرماركت بحي العمارات خبأتها بين طيات ثيابها ،واقتيدت الى مخفر الشرطة وفتح في مواجهتها بلاغ تحت المادة (174) من القانون الجنائي، فلو كنت اطلعت عليه صبيحة يوم نشره لما شغلني عنه شاغل ،ولكن لأن مأساة كهذه مما يعانيه الغلابى والتعابى، لم تكن لتفت على زميلنا الكاتب الصحفي والسيناريست المبدع الفاتح جبرا المعروف بحساسيته العالية تجاه قضايا الغبش،فقد تفضل مشكورا مأجورا بالاشارة اليه والتعليق عليه بما لا يترك فرصة زيادة لمستزيد،ولم يكن لي أن أعلق عليه بعد تعليق جبرا الوافي والكافي، لولا رغبتي في توسيع دائرة النشر ومحاولة ابقاء هذا الموضوع حيا تحت دائرة الضؤ…ان أثر وتأثير الجوع الكافر الملجئ لسرقة ما يسد الرمق واضح جدا في هذه القضية ، والا لما تركت هذه الفتاة كل ما يعمر به ذاك السوبرماركت الفاخر في الحي الراقي من مطايب وأشياء ثمينة وخرجت منه فقط بسرقة فرخة…لابد أنها كانت جائعة جدا وكافرة جدا بكل شئ ، أولا يقولون إن الجوع كافر، ألم يقل سيدنا علي «عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه»، وألم يقل شيخنا العبيد ود ريا «مافي دين بدون عجين»، إذن كان لابد لهذه الفتاة أن تسكت قرقرة بطنها الخاوية وتطفئ لسعة الجوع الحارقة بأية وسيلة ومهما كلفها ذلك…من الواضح أنها وأسرتها يعانون بؤساً وشظفاً شديدين جعلاها لا تتورع حتى من سرقة هذه الفرخة التافهة ، وهي بهذا الحال أدعى إلى الشفقة والرحمة أكثر من الجرجرة الى مخفر الشرطة وشيل الحال، وكان أحرى بصاحب السوبرماركت أن يقف على الأسباب والدوافع التي دفعت بها إلى ممارسة هذا النوع من السرقات الوضيعة، فربما وجد فيها ما نستحق عليه المحاكمة جميعنا مجتمع ومجموعة حاكمة بمن فينا صاحب السوبر ماركت نفسه وليس هذه السارقة التعيسة خاصةً في ظل الغلاء المتفاحش الذي يكابده حتى الميسورين…

على ذكر هذه السرقات المتواضعة التي نستحق عليها نحن المحاكمة وليس السارقين ،أذكر مرة أن أحد هؤلاء الفقراء المعوزين بأحد الأحياء الطرفية بالخرطوم، سرق (مرتبة) من أحد المنازل فقضت عليه المحكمة بالحبس لمدة شهر كامل،وفي هذا المعنى أيضا أذكر مقالا مؤثرا كتبه الروائي السعودي الشهير عبده خال تحت عنوان (إسرق الملايين وإحذر من مؤخرة الدجاجة) سخر فيه من محاكمة غريبة جرت على وافد على الاراضي السعودية بائس وتعيس ساقته جوعته وحظه العاثر الى التسلل داخل أحد المطاعم بمدينة جدة وغافل أصحابه وسطا على مؤخرة دجاجة مقلية وازدردها بسرعة دفعة واحدة، ولكنه لم يهنأ بما إبتلع إذ سرعان ما أُلقى القبض عليه وأُودع المخفر لتتم محاكمته في النهاية باحدي المحاكم الجزئية بالسجن لمدة سنة وشهرين والجلد ثمانين جلدة على جريمته (الخطيرة) مؤخرة دجاجة، وتحسرعبده خال على هذه الخيبة التي يقع ضحيتها هؤلاء البؤساء بينما غيرهم يسرق الملايين وهم في نعيمهم يرفلون في أمن وأمان لا يمسك بهم شرطي ولا يطالهم قانون، على رأى مبدعنا العفيف النظيف الشريف المرحوم محجوب شريف (حليلك بتسرق سفنجة وملاية وغيرك بيسرق خروف السمايه وفي واحد تصدق بيسرق ولاية ودي أصل الحكاية)…وفعلا دي أصل الحكاية…

[/JUSTIFY]

بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي