منى سلمان

رايعة يانعة وفي نضار البرتكانة (2)


[JUSTIFY]
رايعة يانعة وفي نضار البرتكانة (2)

حكيت من قبل عن تشرفي بحضور احتفال كانت قد أقامته منظمة تنمية الاطفال اليافعين، لتخريج دفعة من مشروع لتأهيل واعادة ادماج اليافعين، حيث اقيم الاحتفال بدار تربية الاشبال في الجريف غرب .. ولكني عدت يومها وكلي أسف لمغادرتي قبل نهاية البرنامج فقد راودتني نفسي بـ (كتل الحفلة) لأتمكن بعد نهاية الاحتفال و- برواقة – من الاطلاع على طريقة حياة هؤلاء الفتية والفتيات والاطفال الصغار .. أين ينامون ؟ وماذا يطعمون ؟ وكيف يقضون نهاراتهم ؟ فقد علمت أن بعضهم ينتظم في الدراسة بالمدارس القريبة ويجلس بعضهم لامتحان الاساس، والبعض في المرحلة الثانوية، من ضمن ما اخبرتني الاخصائية النفسية التي رافقتني عن حجم المجهودات التي يبزلونها في سبيل تأهيل واعادة دمج اولئك الاحداث في المجتمع، ولكن (سيد الاسم) أصر على المغادرة قبل نهاية البرنامج .. ربما خوفه علي من أن (أسوّي بكاء ود داموك علي بت عمو) أو أهلك بـ (الشنهفة) !
اثناء الاحتفال، نادت رفيقتنا على طفلين صغيرين ليسلموا علي، ثم بعد انصرافهم أخبرتني بأنهم شقيقين محكومين بـ (سرقة موبايلات) !! وحكت لي كيف انهما يعانيان من تفكك اسري مريع، فوالدهم تركهم واخوتهم لوالدتهم وانتقل للخرطوم مع زوجته الجديدة، وأنه أخبر المسئولين صراحة بأنه (رمى طوبتهم واتبرّا منهم) !! وأن المشرفين على الصغيرين قاموا بزيارة الأم في المدينة الوسطية التي تقيم بها مع بقية اطفالها، فوجدوها تعيش ظروف قاسية وتقاسي (الضيق ونشاف الريق)، فهي تقيم في غرفة بها سرير واحد وبدون أي مصدر رزق، لذلك سعوا لتمليكها وسيلة لكسب الرزق قبل أن يعيدوا إليها ابنيها، حتى لا تتحول جهودهم لـ (ساقية جحا .. تشيل من البحر وتكب في البحر)، وذلك لأن أغلب المحكومين الذين يعانون من التفكك الاسري أو الظروف المادية القاسية، يعودون مرة أخرى بحكم جديد للدار بعد أطلاق صراحهم بفترة قصيرة !
حقيقة، استوعبتني بشدة القصص الكثيرة والمحزنة، التي سمعتها عن الظروف التي قادت أطفال وصبية في عمر الزهور لـ (سكة الخطر) فانتهت بهم في غربة وشجن بعيدا عن أحضان أمهاتهم .. أخطر ما سمعته من تلك القصص ما نبهتني له الأخت المشرفة، من ورود أعداد كبيرة من اليافعين للدار في فترة الاجازة الصيفية بتهم تتعلق بالآداب، وحمّلتني رسالة للإعلاميين لتسليط الضوء على مخاطر الفراغ العريض الذي يعاني منه ابنائنا الطلاب في الاجازة، وما يمكن أن تتفتح اعينهم عليه من خلال مراكز (النت كافي) المشبوهة و(ذاكرة) الموبايلات وغيرها !!
ونحن نهم بالمغادرة نادت المشرفة على طفل (الدوبيت) ليسلم علي ففعل .. طوال طريق العودة كنت مستوعبة تماما بقصة الصغير الذي قادته لحضن الدار (شحطة بي عرق شجرة)، وجهها في لحظة مداعبة خشنة لظهر صديقة وزميله وهما في الطريق للمدرسة فأردته قتيلا .. استرجعت ما حكته لي المشرفة من أن الصغير ظل يبكي ليل نهار منذ وصوله للدار، وان والده قد ترك الأم وباقي اخوته هناك في منطقتهم البعيدة وحضر للخرطوم، ليقضي نهاراته بين الطواف حول الدار للاطمئنان على صغيره وطمأنته، وبين السعي و(المزازاة) بين دروب وابواب أهل الخير ليعينوه على استكمال (حق الدية) وهو الذي لا يملك قوت يومه ..
بقلب الام الذي لا يفهم في القوانين والاحكام حدثت (سيد الاسم) بحسرة، عن جدوى نزع طفل لم يفقد بعد حقه الدستوري في تبليل فراشه، بعيدا عن احضان أمه وأسرته ومطالبة ولي أمره (كمان) بدفع الدية؟
فأعادني لصوابي بقوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب)، فلولا العنت ومشقة العقوبة، لربما استعان كل صاحب غبينة بأقرب طفل ليأخذ له ثأره ممن عاداه أو ظلمه، بحجة أن الاطفال غير مؤاخذين على افعالهم .. ربما كانت حكمتي المفضلة (الجفلن خلهن أقرع الواقفات) خير مثال لهذا الحال، فالخوف من هذا المصير المظلم هو خير وازع لأولياء الأمور والأسر، وحافز لهم لتشديد العناية واحكام الرقابة على افعال فلذات اكبادهم لأن (اللوم بجي بالغفلات)
دخلت البيت واحتضنت عيالي وضممتهم بلهفة لصدري .. سألوني في دهشة:
(كنتي وين يا ماما ؟)
فقلت: (انتوا في كنتي وين وللا أنا تاني البلقاهو شايل ليهو عرق نيمة في يدو ساي .. إلا المفراكة دي تاباهو) !!
[/JUSTIFY]

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]