جعفر عباس

العربي وغربة اللسان (1)


[JUSTIFY]
العربي وغربة اللسان (1)

التقيت بالراحل العزيز، الدكتور غازي القصيبي رحمه الله لأول مرة، في العاصمة السعودية الرياض، فور انتهاء خدمته الطويلة سفيرا لبلاده في بريطانيا، لتولي حقيبة الكهرباء والماء، وكان قبلها يراسلني عبر البريد «الجوي» العادي، أي أبو طابع يتطلب اللحس باللسان، فرغم مواهبه المتعددة، ظل غازي في عصر البخار، فلم يستخدم الكمبيوتر أو حتى الهاتف الجوال إلى أن توفاه الله، وربما لهذا السبب كنت أجد في التواصل معه متعة شديدة، لأنه كان يكتب رسائله بخط يده الجميل جدا، واجتمعت عنده حلاوة الديباجة والروح والعمارة، وكانت معظم رسائله لي مدحا بما يشبه الذم، بل حاول تحريض زوجتي على طلب الخلع واعدا إياها ب«رقبتي سدادة» اي أنه سيتحمل عبء إعادة نفقات الزواج من مهر وغيره إليّ، ولم يكن ذلك من باب الكرم القصيبي، ولكن لأنه كان يعرف أنه ومع انتحار الجنيه السوداني، فإن تلك النفقات لن تساوي نصف دولار بسعر الصرف السائد وقتذاك.
المهم أنه وفي ذلك اللقاء كان معنا عدد من معارف الطرفين، وشطحنا في الأنس، ثم عرجنا على موضوع التعليم، وأبدى غازي حزنه على ضعف حصيلة جيل الشباب من اللغة العربية، فقال أحدهم إن مكمن العلة هو أن العربية لغة «صعبة»، وكان الرد جاهزا عند غازي: لو كانت صعبة لما نطق وكتب بها جعفر عباس، الذي لا يبوس ولا ينباس. ووصفي بأنني غير صالح للبوس إرسالا أو استقبالا، عبارة أوردها غازي من قبل في مقال له في مجلة «المجلة»، التي كانت تصدر وقتها من لندن، وكانت بمثابة تعقيب على إعرابي المتكرر في مقالات صحفية، عن ضيقي بتبادل التحية عن طريق البوس التي فوجئت بها منذ أن وطئت قدماي منطقة الخليج كخبير أجنبي، لأن التباوس بين الرجال في بلدي السودان «عيب»، بل أن الزويل (أي الزول الصغير) لا يقبل بوسة حتى من أمه بعد أن يتجاوز الخامسة.
وما قصده الحبيب القصيبي من أن العربية لغة سهلة، طالما أنني بالتحديد نطقت وكتبت بها، هو إنني ولدت ونشأت ناطقا بلغة غير العربية، ألا وهي النوبية، التي كان أسلافي يتكلمون بها منذ ستة آلاف سنة، وهي لغة حامية، لا توجد قواسم مشتركة بينها والعربية، ويكفي للتدليل على هذا أن أقول للمرة ال 8762، إن الأحرف/ الأصوات التالية لا مكان لها في اللغة النوبية: ث، ح، خ، ذ، ز، ص، ض، ط، ظ، ع، غ، والقاف المقلقلة، وإنه لا تأنيث ولا تذكير ولا مثنى في اللغة النوبية، وقد عاش والداي معظم سنوات عمرها في مدينة ناطقة بالعربية، ولم يفتح الله على أي منهما بجملة عامية عربية مفيدة وسليمة، إلى أن غادرا الدنيا (رحمهما الله)، بل وعندما كنا صغارا نعتبر من يتكلم العربية العامية السودانية «مائعا» وكنا نستهجن على وجه خاص كلمة «آآي» التي يقولها «عرب السودان» بمعنى «نعم».
واستطيع أن أقول بقلب جامد (وليس جلمد)، إن العربية الفصحى أسهل في التعلُّم، من العامية الدارجة في هذا البلد أو ذاك، فطوال المرحلة الابتدائية لم نكن أنا وزملائي النوبيين نفهم معظم الدروس، ما لم يكن من يدرسها نوبيا، ويفك لنا طلاسمها بلغتنا الأم، ولكن وفي دروس التعبير/ الإنشاء، كان ما نكتبه لا يقل جودة عما يكتبه نظراؤنا من الناطقين العربية، وانتقلنا إلى المدرسة المتوسطة، وصار التخاطب باللغة النوبية جريمة حدِّية في قانون إدارة المدرسة، عقوبتها خمس ضربات بعصا الخيزران على الأرداف، وهكذا فتكنا باللغة العربية دون سبق إصرار أو ترصُّد، ويا ما نال بعضنا جرعات ضرب إضافية لمخاطبة المدرس: ممكن تشرحي الدرس تاني يا أستاز؟ وكان أكثر مدرسينا تحسسا من مخاطبته بصيغة المؤنث، ينتمي لقبيلة الجعليين شديدة الاعتزاز بعروبتها لدرجة الشطط والزعم بأنهم بالجملة من أحفاد العباس بن علي أبي طالب!! وكان ذلك المدرس إذا قال له تلميذ نوبي: يا أستاز.. الناظر قالت ليك تعالي، ينفجر غاضبا: أنا أرجل منك ومن أبوك.
وغدا نواصل بمشيئة الله.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. العامية السودانية هى اقرب من اى عامية اخرى للغة العربية .بشهادة ب.عبدالله الطيب,بمافى ذلك كلمة زول فهى عربية مثلا كلمة
    انا داير تحرفت من انا اريد كذا.انا ماعارف انا لااعرف كذا وكثرة الامثال العربية فى السودان لاتوجد فى غيره من الدول العربيه
    معنى زول في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي
    1.زَوَّلَ: ( فعل )

    زَوَّلْتُ ، أُزَوِّلُ ، زَوِّلْ ، مصدر تَزْويلٌ
    زَوَّلَ الوَلَدَ : نَحَّاهُ ، أَبْعَدَهُ
    زَوَّلَ الصُّورَةَ : أَزالَها
    2.زول: ( فعل )

    زول السَّرابُ بالشَّخصِ : رَفَعه وأَظهره
    أَرَى النُّجوم تزول ولا تَغيب : تلمع وتتحرَّكَ
    زَالَ زَائُل الظِّلِّ : قام قائم الظَّهيرة
    وزَالَ زَوَالُهُ : دُعاءٌ عليه بالهلاك
    وزَالَ زَوَالُهُ أَوْ زوِيلُه : زَال جانبُه فزعًا وذُعْرًا وخوفًا
    3.زَول: ( اسم )

    الجمع : أَزوالٌ
    الزَّوْلُ : الخفيفُ الحرَكات
    الزَّوْلُ : الفَطِنُ
    الزَّوْلُ : الشَّخصُ
    الزَّوْلُ : الشُّجاع الذى يَزُولُ الناسُ من شجاعَتِه
    الزَّوْلُ : الصَّقرُ
    هذا زوْلٌ من الأَزوال : عجبٌ من العجائِبِ
    4.زَوْل: ( اسم )

    للا يوجد عربى ينطق هذه الكلمة غيرنا.والله اعلم