داليا الياس

قصة طويلة جداً


[JUSTIFY]
قصة طويلة جداً

# طلقها بطريقة غريبة ومهينة في لحظة تهور عارم، كانت في زيارتها المعتادة لبيت أهلها حين أسلم أذنه لوسوسة الشيطان والحاقدين وقفل طريق العودة أمام ندمه حيث لا ينفع الندم.

كانت الأفضل والأجمل والأنقى والأنبل والألطف بشهادة الجميع، زوجة يحسده عليها الأقرباء قبل الغرباء، ربما هذا ما يعرف تحديداً بـ (البطر)، أن تتكبر على النعمة التي بين يديك ولا تعرف قيمتها الحقيقية من فرط انغماستك في خيرها.

تساءلت كثيراً من بين دموعها الغزيرة وصدمتها فيه التي نزلت على قلبها مثل الصاعقة عن الذنب الذي جنته لتستحق أن يطردها هكذا من حياته دون أدنى اعتبار لمشاعرها وأبنائهما الخمسة، ونظرة المجتمع لها كمطلقة في مقتبل العمر.

لا تذكر له ما يعيب، كان زوجاً مثالياً بالقدر الذي جعل حياتها معه مريحة وهانئة، وتشهد له أنه أسلمها زمام الأمور والمال وتصريف شؤونهم الأسرية بكل ثقة ومودة واحترام!

ربما هذا ما أثار حفيظة (العقارب)، فظنوا فيه ضعفاً وانهزاماً أمامها، ورأوا أنها قد جعلته (خاتماً) في أصبعها فأضمروا غيرةً وشراً وحسداً, وما لبثوا أن بثوا سمومهم حالما سنحت الفرصة في غيابها، ولكن الطامة الكبرى كانت في تجاوبه معهم واستسلامه لكيدهن دون أن يضع في حسبانه كل الحب الكبير والعشرة الطويلة وتفانيها في رعايته والاهتمام به وببيته وأولاده.

# وقع الطلاق ولا رجعة فيه، وهامت على وجهها زمناً وهي في حيرة وقلق وشعور بالدونية والفشل والضياع، أعصابها منهكة وقلبها مجروح وكرامتها مراقة على أعتاب جحوده.

زوجوه سريعاً بأخرى لا يعرفها قبل أن يصحو من غفوته ويدرك حجم هفوته، وأرغمتها أمومتها على التحامل على نفسها والصبر والتضحية في سبيل سعادة واستقرار ونجاح أبنائها.

هي الآن مبذولة مع أبنائها، تتولى العناية بهم ورعايتهم وتسيير شؤونهم مثلما كانت في السابق وأكثر، كرست نفسها ووقتها لراحتهم، وأفنت شبابها بين هذه الجدران الأسمنتية التي تراه مستريحاً لوجودها بينها، ولا يزال يمنح نفسه حقوقاً أضاعها يوماً، لا زال يراقب تحركاتها، ويستعلم عن غيابها، ويريد منها أن تكون دائماً محظيةً في بلاط قوامته التي لم يفهم معناها يوماً.

# يحاول جاهداً أن يعيد المياه لمجاريها، يحفه الندم والحسرة وتعذبه الذكريات، ويريدها أن تتعامل معه كأن شيئاً لم يكن، أن تستأذنه في الخروج، أن يصادر حريتها في العمل والضحك والسعادة، أن تنطوي على ذاتها، أن تقطع الوصل بينها وبين العالم من حولها، أن تبقى على ولائها وتقديسها له، وأن تتفرغ تماماً لخدمة أبنائها بدعوى أنها أمهم، بينما يكتفي هو بالإشراف والمتابعة والتوجيه واستنكار كل ما لا يعجبه!!

ترى بأي حق يمارس كل ذلك، ولماذا تبقى هي مستسلمة لهذه الأوضاع المجحفة؟ هل أدمنت الرضوخ لتصاريفه وسطوته؟ هل لا زالت تحبه رغم قسوته وخذلانه وظلمه لها؟ هل تدفعها الأمومة حقاً نحو التجرد والزهد والعزوف عن كل مباهج الحياة؟ أم أن جراحها لم تبرأ بعد لتتعافى وتتمرد؟

# لقد أحبته زمناً طويلاً، وقضت في كنفه سنوات من الإخلاص والسكينة، تقول إن كلماته لا تزال تتردد في خاطرها، وإن شيئاً ما بداخلها يقول لها إنه لا يزال طيباً ونبيلاً ولكن لوثةً ما أصابته حين وسوسة، ورغم كونها تكابر وما فتئت كرامتها تحرضها على العناد والتمنع والإعراض إلا أن شيئاً ما بداخلها يقول إن اسمه لا يزال نقشاً فرعونياً على جدار قلبها, وأن حبها له يعذبها ما بين رغبتها في النسيان والمسامحة، ما بين شوقها إليه وحنقها عليه، ما بين ظلمة البين وإصرارها على أن تخلق لنفسها واقعاً مغايراً بعيداً عن سطوته، أن تحقق نجاحاً وتحيا حباً جديداً وتفصل ما بين حرف الأمومة وحرف الإنسانية وحرف النجاح، وتنقش على جدار الحياة حروف اسمها فقط!!

تلويح:

لهذا كان للرجل القوامة، ليكون حكيماً ومنصفاً، وليتهم يدركون!!

[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي