منى سلمان

تعال بكرة أو بعد بكرة


[ALIGN=CENTER]تعال بكرة أو بعد بكرة !![/ALIGN] كان (مهدي) واحد من خريجي الجامعات السودانية المتعطّلين في الأرض المتنقّلين من ضل لـ ضل، إلى أن منّ الله عليه بوظيفة في (سقط لقط) أحد الأقاليم البعيدة، ضمن طاقم العاملين في مكتب متابعة يتبع لإحدى المصالح المركزية، وكانت المصلحة المعنية (تنفي) إليه بين الحين والآخر، (المغضوب) عليهم من عامليها، وتطعمهم ببعض (الضالين) من الخريجين .. لزوم تعليمهم الشدة وكده !
فرح (مهدي) بالوظيفة أيما فرح بفهم (القُحّة ولا صمّة الخشم)، ولكن ما أن (جابو) الزمان لتلك البقعة الطيبة من بلادنا حتى (طاب) ليهو المكان، فقد أعجبته طيبة أهلها ورخاء عيشها وجوها الجميل، فإستقر في الوظيفة وسكن الأستراحة قريرا مرتاح البال، ثم ما لبثت حبال الود أن ربطت بين قلبه وقلب واحدة من بنات البلدة الطيب أهلها، كانت تعمل في مصلحة حكومية قريبة، وكانا يلققيان بصورة شبة يومية في المواصلات .. فشاء الله أن يكمل نصف دينه كما أكمل رتق (جيبّه) الكان مقدود.
دارت الايام ودارت معها حكمة (دوام الحال من المحال)، فقد نزل خبر نقله للمركز الرئيسي في الخرطوم، كصخرة ثقيلة عكرت صفاء مياه استقرار تلك الأسرة الصغيرة، ولكن (مهدي) استطاع أن يقنع شريكة حياته (روضة) بتنفيذ النقلية للخرطوم، حيث التعليم والعلاج والترفيه والاهل والاحباب ..
شدوا الرحال الي الخرطوم واستلم (مهدي) عمله في موقعه الجديد، واستطاع إلحاق ابنائه بالمدارس واستقر بهم الوضع جزئيا، ولكن هناك مشكلة بدأت تلوح في الأفق وهي نقص الثمرات الذي تبع تخلي (روضة) عن وظيفتها لتلحق بزوجها في الخرطوم، فعملية النقل من الأقاليم للخرطوم بالنسبة لوظيفتها من ضمن المستحيلات السبع على العكس من العكس، لأن الموظف إذا رغب في التحول من الخرطوم للأقاليم فسوف يزف بالزغاريد والدلوكة، ولكن النقل العكسي دونه فرط القتاد ..
لم ييأس (مهدي) من محاولة نقل السيدة حرمه، لتواصل في وظيفتها وتساعد في منصرفات الاقامة بالعاصمة وتريح اذنه من (أديني وجيب) اليومية، فبدأ اتصالاته وكثف جهود (الواسطة والباسطة واليد الطويلة) للوصول الي الرأس الكبير في المصلحة التي تعمل بها زوجته، وبعد جهد و(زوزاي شديد) نجح في الوصول الي موقع ذلك الرجل، ولكن كيف السبيل لـ (ان شاء الله يلاقيني وبي أذاي أصارحو) مع (حراسو البتمسك ما بتفك)، فقد تسلّم (البودي قارد) بدرجة مدير المكتب من (مهدي) طلبه لنقل زوجته وقال له (تعال بكرة أو بعد بكرة) !
كلما عاد (مهدي) بعد يومين تلاته، ودخل على مدير المكتب، وجده مشغولا وامامه رزم من الملفات والأوراق .. فيحيّه بصوت يجتهد أن يجمع فيه كل أطراف الأدب والإحترام، ولكن لا حياة لمن تسالم، فلم يكن مدير المكتب يكلف نفسه برفع راسه، بل يواصل عمله بعد رد السلام دون أن يفكر في رؤية من يقف امامه .. ثم عندما يرضي ما بداخله من رغبة سادية في تعذيب عباد الله الموظفين والمتعاملين مع المكتب، يرفع رأسه ثم يهمهم بكلمتين: (تعال لينا بكرة .. بعد بكرة) !
وفي الـ (بكرة) الأخيرة، ظل (مهدي) واقفا أمام السيد مدير المكتب إلي أن حانت منه (صنقيعة) ووجد المسكين يقف كالديدبان فوق رأسه، فـ (قام فيهو بي أربعة) طوالي:
يا سيد .. ما قلنا ليك الموضوع ما بالسهولة دي ؟ ياخي ما تكرهنا .. قلنا ليك تعال بعد كم يوم .. يعني كم يوم !!
تملكت (مهدي) حالة من الاستياء والهياج الشديد خاصة عندما تذكر بأنه قد (تفشخر) واعطى المدام وعدا بأنه سينهي اليوم موضوع النقل .. فكل ما تبقى من إجراءت بس حتّة توقيع وكده، عندما تذكر وعده للمدام وضاق صدره من الشعور بالمهانة و(الصغرة) فما كان منه إلا أن فتح النار على مدير المكتب:
دي ما طريقة شغل دي .. نحن عيال صغار عشان تنهر وتنتر فينا؟ خلاص شغلكم ده ما محتاجين ليهو خالص واحسن المدام تقعد في بيتها معززة مكرمة .. يلا خلاص بلا لمّة أديني الملف والاوراق …
ظل (مهدي) يرغي ويزبد والرجل مستمر في عمله دون أن يرفع راسه ليرد بما يبرد بطن (مهدي)، وبكل برود – وهو يكتب بيده اليمني – قام بمد يده اليسرى ومن بين ما امامه من ملفات، تناول ملف (روضة) وكأنه يحفظ موقعه بين الملفات ثم ناوله لـ (مهدي) وواصل في عمله وكأنه يقول:
ما محتاجين ما محتاجين .. يلا شيل ملفّكم وامشي ..
في تلك اللحظة (طارت السكرة وجات الفكرة) فأحس (مهدي) بفداحة تهوره وفلتان أعصابه الذي تسبب في إغلاق آخر ابواب الامل في وجهه، فجأة وبدون مقدمات تقدم نحو مدير المكتب وهم بتقبيل راسه وهو يردد:
والله أنا غلطان وسافي الواطة .. أصلي مرات بتكلم بره من رأسي .. ما تصدقني أنا زول عواليق ….
في نفحة (توسكا .. لمسة حنان)، أحس الرجل بتأنيب الضمير لإنكسارة (مهدي) التي حركت فيه بقايا نخوة مركونة في رفارف القلب، فقال له:
يا سيد الموضوع ما بحتاج لي ده كلو .. أنا لما قلت ليك تعال بعد كم يوم، لأني عارف سعادتو بيشتغل البوستة الخاصة بنوع طلبكم ده مرة واحدة كل يوم الثلاثاء، وعلي كل حال تعال بكرة أو بعد بكرة .. ان شاء الله تلقى موضوعك منتهي .. !

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com


تعليق واحد

  1. عزيزتى المنينة بت عشة ام الرير اكثر ما يعجبنى فى كتاباتك الواقعية والحقيقة المجردة والحاصلة فعلا ولذلك دائما نتشوقك لما تكتبين – عموما هذا هو حال موظفى بلادى كلمة بكرة او بعده على طرف اللسان وبذلك يضيع حق العباد فى دهاليز الموظفين المظلمة وبما اننى خيتى المنينة جعلى ابا عن ام عن جد عن جدة ومررت بموقف الاخ المغلوب على امره مهدى لأهديت هذا الموظف المتلاعب كفا يمينا وآخر يسارا والثالث لرئيسه الذى وضع هذا المعوق فى طريق مصالح الناس واليحصل يحصل

  2. الغالية الأستاذة منى هذه حال البروقراطية في مكاتبنا في البداية لما شفت العنوان تذكرت الأغنية تعالى بكرة لكن وجدت أن الموضوع مختلف تماما ولي إستفسار متواصع من سعادتك ورد في سياق الكلام فرط القتاد هي فرط ول خرط القتاد تشابه على الأمر أرجو التوضيح ؟

  3. الاستاذة/ الفاضلة المقال من صميم الواقع وفعلا هناك بيروقراطية في المكاتب انكوى منها كثير من الموظفين ومهـــــــــــــــدي خير مثال لذلك .وبصراحة نجد السلوى في مقالاتك ، فاكتبي الينا كل يوم ..

  4. اختي المنينه بت عشه ام الرير وين الايام الماضيه . مهدي ده كان من الاول يقصر الموضوع بالاستقاله من العمل والاستقرار مع الوليه وكان عاش مرتاح البال من احسن من كرش الفيل . المناسبة عاوز لي زوجه نقاطه ما بتزوج غير شغاله تحياتي

  5. اخلفت وعدى يا حسناء

    المرء لا يستطيع ان يقول شيئا فى العالم الثالث الفقر يحيط به من جانب والمورد شحيح والانسانينة مبنية اساسا على المزاج يزداد وينقص على حسب حياة الفرد المسئول يربط منصبه بتوجهه الايدولجى وان لم يكن ذلك بانتمائه القبلى ثم بعد ذلك بالمعرفة الشخصية وفى ذي القائمة الكفاءة العلمية والخبرة والنتيجة التى نرها مزيدا من التدهور فى الخدمات التى تتصل مع العباد لذلك نجد ان هنالك شرخا فى الخدمة المدنية فى العالم الثالث ولكن لا حياة لمن تنادى لا احد يسمع ويقرا ما تكتب اذ ان الانسان اذا قرا يزداد فكرة فى الموضوع اعتقد ان فى العالم الثالث مسالة استقراء وقراءة الموضوع مشكلة للمسئول …. والروتين هو اساس الحياة فى اضابير المصالح الحكومية لقد عشت تجربة من قبل فى مثل هذه الامور واعتقد ان الكتابة فى هذه المواضيع تجعل القارىء اكثر تفهما لما يجرى حوله وانا فى اعتقادى ان الصحفى هو الذى يعكس ما يحدث للمجتمع وليس الصحافة مهنة للتندر وضياع الوقت لان القلم مسئولية ضرورية ولا على الكاتب اذا كان قلمه لا يجدى ان يكسره هذا الموضوع يعنى فى المقام الاول سلبيات الخدمة المدنية وما اصابها من وهن ولكن ايضا اعتقد ان الموظف فى هذه الحالة ليس على جانب كامل من الصواب فلا يمكن ان يعين زوجته فى موقع فيه فائض عمالة وهنالك طرق فى الخدمة المدنية تجعل الفرد ان يحافظ على موقعه كاجازة بدون مرتب او غيره من طرق البقاء على الوظيفة اذ لا يمكن لانسان ان يعين قريبه فى موقع دون الحوجة الى ذلك او لزياة الموظفيين او العامليين فى موقع ما اعتقد ان الطرح فى وصف الخدمة المدنيه فيه جانب من الصواب ولكن الطرح فى الموضوع ليس منطقى رغم استخدام العاطفة فى طرح الموضوع لان العاطفة ايضا تؤدى الى مشكلة فى تسسير دولاب العمل انا اتفق من حيث السلبيات ولكن اختلف من حيث الموضوع …. واتمنى دائما للكتاب الصحفيين العقلانية والنمتطق بطرح الامر اذا ان الهدف ليس اطراء الكاتب انما الهدف ما المستفاد من هذه المقالة

  6. مع تحياتي للاستاذة الفاضلة ولي مواضيعك الثرة

    بسأل سؤال لماذ لم يكن الواحد صريح مع الناس الغلابة لانو هو زاتو مافي يدو شئ

    احسن يكون واضح وصراحي مع الناس حتي يوفر له ولغيرو الزمن

    هسع لو قال للموظف المسكين دا ياخ السيد الوزير ما بطلع علي الملف الا يوم كد

    ويحدد التاريخ حتي يخرج من الاحراج لكن دائما السوداني تاخذو العزة بالنفس ويشعر

    الطرف الثاني هو المسئول لا يوجد احد فوقه مع العلم انو اي زول عارف مهام كلو

    زول شنو

    اللهم لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا

    حسبي الله ونعم الوكيل الله غالب وقاهر فوق كل شئ