أبشر الماحي الصائم

حتى لا يحدث فراغ دستوري


[JUSTIFY]
حتى لا يحدث فراغ دستوري

دعوني أبدأ من هناك.. بعيد عمليات إزالة زنك الخضار بوسط الخرطوم، ومن ثم الشروع في بناء عمارة الواحة العملاقة.. أذكر أني قد أجريت يومئذ لقاءً مع أحد الرموز الإسلاميين المشتغلين (بالاستثمار الثقافي).. وكان كلما قدم أوراقه إلى مصرف أو ذهب إلى بيت مال لم يملك القوم إلا أن يتحسسوا مسدساتهم.. فصرخ الرجل في وجوههم.. إن المشروع الثقافي لا يُبنى بالسيخ والخرصانة !!

في مرحلة لاحقة انتبه المخططون.. فالثورات العظيمة يخطط لها الأذكياء وينفذ مشروعاتها الأبطال ويستغلها الجبناء.. عبارة القائد الشيوعي الصيني ماو التي أطلقها في أربعينيات القرن الماضي.. فنهضت على إثرها الثورة الخضراء التي وضعت الصين على أعتاب الدول الكبرى.. ويقيني دائما أن النقلات الكبرى للدول والشعوب لا يصنعها السياسيون ولا الأفندية.. ذلك مما ابتلينا به في بلاد النيل والشمس والصحراء.. على أن عباقرتنا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مجرد شغيلة سياسية.. فهم طوال حياتهم على حالتين اثنتين، إما حاكمون ويحافظون على هذا الحكم بكل ما يملكون.. أو أنهم قد فقدوا هذا الحكم، فهم يعملون بكل ما يملكون وما لا يملكون إلى العودة إليه مجددا.. هكذا اكتشفنا في مرحلة لاحقة ألا مشروع لنا ولا شرعية بمعزل عن صناعة الخبز.. على أن قصة المشروع تبدأ بالخبز وتنتهي به.. وأن نقطة ضعفنا تكمن في كثرة الكلام وقلة الإنتاج.. فلا يعقل أن نستورد البنضورة والبرتقال الجنوب أفريقي والقمح والزيوت !!

هنا ترك شيخ على كل شيء ونزل بمشروع النهضة الزراعي إلى الحقول والمزارع وكل مظان الإنتاج.. لكن بكل آسف أن الشيخ قد وصل إلى حقول الإنتاج متأخرا ربع قرن من الإنقاذ ..

فقد انصرف الرأي العام عن الزراعة.. فكان معظم المزارعين والمدرسين والمنتجين قد احترفوا مهنة السياسة.. الوظيفة التي لا تحتاج لحمل طورية أو دق حجر الدغش!! تحتاج في هذه الحالة إلى دستة جلاليب ومثلها من العراريق ومركوب.. يفضل الأبيض.. وعمامة وشال وبعض خطب ومصطلحات.. أما حقول الشباب فاكتفينا باستقدام ما يزيد على عشرة آلاف شابة أمهرية ماهرة في صناعة القهوة.. فتسور شبابنا أحلامهم وستات الشاي.. ولا ذنب لهم سوى أنهم لم يجدوا أمامهم ماو سوداني أو مهاتير أسمر ليرسم لهم خارطة طريق ويفك قيدهم والأغلال.. فوجدوا أمامهم مجموعة سيساسين طفقوا يأخذونهم من انتخابات إلى انتخابات، ومن صندوق إلى صندوق حتى لا يحدث فراغ دستوري!! وأما أن يحدث فراغ إنتاجي وفجوات غذائية وتعطل شبابي وزراعي، فذلك مما لا ينزعج له أحدا.. وإلا هل رأيتم الآن سياسي منزعج لقلة الأيدي العاملة في مواسم الحصاد بقدر انزعاجهم لشح الأصابع المنتخبة المتجهة إلى لتسجيل الأسماء للانتخابات!

أتصور أن واحدة من أعظم إخفاقات الإسلاميين.. إنهم قد استطاعوا أن يذهبوا بالجماهير إلى أي جهة بما في ذلك أدغال العمليات، لكنهم في المقابل لم ينجحوا في أن يذهبوا بالجماهير إلى الحقول!! وللحديث بقية بحول الله وقوته..

[/JUSTIFY] أبشر الماحي الصائم
ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]