لبنى عثمان

حدث في مثل هذا اليوم


[JUSTIFY]
حدث في مثل هذا اليوم

يا قلب.. كفاك نواحا على أحبة باعوك.. كفاك أنينا من جرحهم.. كفاك تأوها من غدرهم.. أحببتهم وأخلصت لهم في دواخلك.. بكل الدنيا.. بكل نبضة تنبض بها صلة الرحم من محنة وحب ووصال.. قضيت عمري أحاول أن أجمع ثمار المحنة في سلتي.. وما زالت سلتي فارغة..

وكأني ألعب مع الوقت لعبة الثعبان الورقية.. كلما دفعني سلم الأماني إلى الأعلى ابتلعني ثعبان ما.. وأعادني من حيث بدأت ..

جميعهم أخلفوا وعدهم معي.. حتى تعب قلبي.. تعب كثيرا وحزن من محاولة السير عكس التيار والريح.. ووهنت معه أمنياتي التي خبأتها في صندوق عمري ..

متعبة أنا يا قلب.. وواهنة أنا كالتاريخ.. مسنة كالانتصارات القديمة.. متصدعة كجرة أثرية.. متهالكة كبيت مهجور ..

نزفت كثيرا ومازال النبض بين أضلعي مستمرا.. حتى خُيل إليَّ.. أن بين أضلعي ألف قلب.. كلما مات واحد بدأ الآخر سلسلة العذاب من جديد ..

أصبح قلبي ثقيلا.. أثقل من قدرتي على حمله.. أصبحت أتحرك بثقل الدنيا وأهلها.. وأمست جدرانه كتابا يكتب عليها رفاقي تفاصيل غدرهم بأحرف حادة ..وكلمات نحتت على جدرانه تفاصيل لا تنسى.. فتحولت مع الوقت إلى كتاب تاريخ قديم امتلأت صفحاته بمعارك الحياة بكل تواريخها وهزائمها وانتصاراتها .. غمرني ذاك المساء إحساس مرعب.. وتساءلت لماذا هذا المساء شديد الظلمة.. شديد الكآبة.. شديد الحزن.. شديد الوجع.. ثقيل كجبل.. وبطئ وموغل في البطء ..

رسمت علامات استفهام.. وأنا في حالة ذهول.. في حالة صمت وسكون.. سكون وليد للحظة أعيشها كلما خيم عليّ الحزن.. كلما دثرني الوجع.. وكلما ملأتني خيبة الأمل فيمن أحب ..

أتساءل.. وأنا أخشى أن أطلق رصاصة السؤال فتقتلني رصاصة الإجابة ..

هو الموت.. نعم هو الموت مرارا وتكرارا.. هو الوجع.. هو الألم.. هو الخذلان ..

أحفظ ملامحه جيدا.. وأعرف مرارته.. كتبت عنه الكثير وكتبني.. ورثت الكثير من الراحلين.. أحياءهم وأمواتهم ..

لكن هذه المرة.. جاءني الموت بصورة أخرى ..

ليست قصيدة حزينة.. تنزفها في أذني.. ولا حكاية مرعبة أسردها على الغير.. ولا نبأ يصلني فأستقبله بالدموع ..

الموت هذه المرة هو.. موتكم في وجعي .

فتصوروا.. حين يكون الموت.. فقدانكم.. حين يكون النبأ الحزين هو خذلاني فيكم.. حين يكون ذاك النائم بلا روح داخل أحشائي.. هو صدمتي فيكم ..

فأي الحروف تسعفني عندها.؟

وأي الكلمات تغيثني.؟

وأي بقعة من الأرض تستوعب حزني.؟

وأي فضاء يحتمل صراخي.؟

آآآآه…

بأي عنوان أعنون هذا الإحساس.. وبماذا ألقب هذا الجرح ..

وهذا هو الحزن الذي ما توقعت أن أكتبه يوما ..

وهذا الحدث العظيم الذي ما تمنيت أن أسجله بتاريخ عمري يوما ..

لكنه حدث ..

اغتبتموني.. ظلمتموني.. ووصفتموني بأبشع ما يوصف به كائن من كان.. في هذه البشرية ..

لكنه حدث ..

ووجدتني أسجل فوق جدار قلبي بانكسار وبيد مرتعشة..

في مثل هذا اليوم.. رحلوا.. وقد كانوا يمثلون هذا العالم لهذا القلب ..

هل تعلموا.. بنفس خائفة وقلب مرعوب.. أحاول التكيف مع فكرة غيابكم عن الذاكرة.. وأحاول أن أدرِّب لساني على القول دائما.. (حسبي الله ونعم الوكيل )..

وأحاول أن أقنع قلبي أن الطرقات على بابي لن تكون طرقاتكم.. وأن رنين الهاتف لن يكون رنينكم.. وأن تلك الرسائل في هواتفكم لم تكن المقصودة بها أنا.. ترفعا عنكم.!!

هذا المساء.. تذكرتك يا أبي ..

وأدركت أنك رحلت.. رحلت كأجمل ما يكون الرحيل.

كنت رائعا في كل شيء ..

مختلفا في كل شيء ..

صادقا في كل شيء.. حتى في الموت ..

اخترت أروع أنواع الموت ..

فمثلك لا تودعه الحياة إلا رافعا رأسه بفخر..

ومثلك لا يودع إلا لحياة أجمل وأنقى ..

هذا المساء ..

رحلت إليك.. سردت عليك حكاية حزني.. حكاية خذلاني فيهم.. حكاية وجعي بهم.. وملأت كفيك بدموعي ..

أخبرتني أن النصر بإذن الله سوف يكون حليفي.. وأن لكل مظلوم يوم رائع..

ووعدتني أن تحفر ينابيع الفرح في أراضي عمري.. وأن تمنحني السعادة بلا حدود.. وأن تدربني على الضحك الذي نسيته منذ سنين.. وأن.. وأن ..

وأن تكون بجانبي دوما.. وأن لا يخرجك من عالمي سوى الموت ..

وصدقت الوعد يا أبي.. أنت دوما معي.. فلم يأخذك ولم يبعدك إلا الموت..

فبعض الأحزان لا نتوقع أن نسطرها يوما.. لكننا أحيانا نفعل.. من فرط الوجع ..

**وجعة

# عفوا أيها الظن السيئ.. ماذا تركت لي.؟

[/JUSTIFY] لبنى عثمان
كلمات على جدار القلب – صحيفة اليوم التالي