عبد اللطيف البوني

خروج من الكرنيتة


[JUSTIFY]
خروج من الكرنيتة

عندما ظهر الغاز الطبيعي في هولندا في زمن مضى تركت البلاد صادراتها المعروفة من ألبان وأجبان وأزباد هذه من زبدة واغرقت اوربا بالغاز وامتلأت خزائنها بالاموال وبما أن الغاز سلعة ناضبة وغير متجددة نفد الغاز منها فلم يكن امامها سبيل الا الرجوع إلى صادراتها التقليدية ولكنها وجدت كل البنيات الاساسية لها قد تحطمت بينما اموال الغاز ذهبت للجيوب ولمشاريع اخرى لا صلة لها بتلك الصادرات فدخل الاقتصاد الهولندي غرفة العناية المكثفة واحتاجت لزمن طويل للتعافي ومن هنا نشأ مصطلح الداء الهولندي.
نحن في السودان لم نتعظ من الحالة الهولندية التي يعرفها كل من يعرف الف باء الاقتصاد وقد اعدنا انتاج الداء الهولندي بصورة ابشع وافظع فالذي حدث في هولندا قامت به الشركات ولكن في السودان قامت به الدولة ممثلة في الحكومة فعندما ظهرت لنا شوية براميل نفط تحولنا إلى دولة ريعية وكأننا نضخ في اليوم ملايين البراميل من البترول . المهم في الامر أن السيد الاسود النشوان قد رافقنا لمدة عقد من الزمان ثم خرج بانفصال الجنوب وان شئت قل استقلال الجنوب ثم كان الخروج الكبير بانهيار دولة الجنوب لتتوقف دولارات خط الانابيب والأهم مال التعويض المرتبط بصادر الجنوب من النفط وهكذا اصبحت الحكاية (ميتة وخراب ديار) وكان يفترض أن يبرز مصطلح الداء السوداني كحالة حادة من الداء الهولندي لكن العالم يحسدنا حتى في البطالة !!!
منذ خروج النفط وبلادنا حائر بها الدليل في كيفية الرجوع لما قبل النفط فكل البنيات الزراعية مع ضعفها وهشاشها قد انتهت المدخلات الزراعية اصبحت نار الله الموقدة ليصبح البرنامج الثلاثي مجرد حبر على ورق ولكن من حيث لا نحستب منَّ الله على بلادنا بخريف لم تشهد له مثيلا منذ استقلالها لقد غطت الامطار حتى السافنا الفقيرة وبمعدلات كبيرة وعلى مدى زمني طويل فتحولت البلاد إلى بستان اخضر وكل من بذر بذرة ومن اي محصول لم يخيب الله ظنه اذ انبتت واثمرت بالمناسبة الزراعة الاسرية اي ذلك النوع الذي يمول من المدخرات الخاصة هي الغالبة في السودان فأصبح لدينا سبعة ملايين طن من الذرة ورقم قياسي في السمسم والدخن والفول السوداني اما القطيع السوداني المكون من 150 مليون رأس فقابل للزيادة الكبيرة بفعل الخريف الطيب فقد سرح ومرح وما زال في عشب مجاني سوف يسلمه للخريف القادم مش كدا وبس حتى القطن رغم انه زرع في مساحة تقدر بأربعين الف فدان فقط في الجزيرة الا انتاجه يفوق ما تنتجه مائتا الف فدان وهذا بسبب القطن المحور وراثيا والامطار
فيا جماعة الخير الآن اصبحت لدينا فرصة للتعافي من الداء الهولندي وان شئت قل السوداني فما انتجته بلادنا من محاصيل يفوق ما كانت تنتجه قبل النفط ولكن هذه الفرصة يمكن أن تضيع اذ يمكن أن تبقى القناديل في امها دون حصاد اذا تدنت الاسعار و (ضرب السوق الدلجة ) فالمطلوب تدخل الدولة بأعجل ما تيسر وتعلن سعرا تركيزا وتفتح مخازنها لشراء المحاصيل حتى ولو فعلت بذلك بتمويل عن طريق العجز ثم بعد ذلك تبحث عن الاسواق الخارجية وهي على قفا من يشيل . الدولة الآن (تقدم رجل تؤخر رجل) في هذا الموضوع اذ اكتفت بإعلان الاسعار التشجيعية دون خطوات عملية. اخشى ما اخشاه أن يكون وراء هذا الامر لعبات وافراد ومؤامرات وحاجات تانية حامياني ليبشر الداء الهولندي بطول سلامة لا قدر الله.
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]