احمد دندش

المشكلة في (الرغيف).!


[JUSTIFY]
المشكلة في (الرغيف).!

من عجائب موهبة الشعراء في السودان قبل سنوات مضت، أن الشاعر كان بإمكانه كتابة قصيدة تبقى لخمسين عاماً في خمس دقائق فقط، أما الآن فالشاعر يكتب قصيدة في خمسين عاماً لتُنسى بعد خمس دقائق فقط.!!
صديق ساخر قال لي بعد أن صمت قليلاً: (احتمال المشكلة في الرغيف).!..ولعله كان يقصد الاوضاع الاقتصادية ويحاول أن يربط ما بينها وبين تردي مستوى الشعر في السودان، وربما كان معه حق، خصوصاً ونحن نطالع يومياً شاعراً يقتاد فناناً شاباً للمحكمة للمطالبة بحقوقه الادبية والمادية، (والاخيرة هذه أهم بكثير من الأولى).
وفنان شاب يقسم لي بأغلظ الايمان انه حاز على تنازل لأغنية (شهيرة جداً) من شاعر كبير بعد دفعه لمبلغ (500) جنيه فقط هي قيمة تغنيه بالأغنية لمدة ثلاث سنوات..!…وهكذا يباع التاريخ بأبخس ثمن وفي (سوق الله اكبر).
والأغنيات الجديدة لشعراء كبار ربما صارت اليوم تؤكد على الحديث اعلاه، وتعضد ما ذهبنا اليه من انحسار الموهبة عن النصوص في هذا الزمان، والفنانون الشباب (يبصمون بالعشرة) على الحديث هذا ويعودون عشرات السنين ليتغنوا بـ(اقابلك وقصتنا والذكريات)، وعندما تسألهم لماذا لا تغنون غناء عصركم، ينبري لك اقلهم موهبة ويقول واضعاً سيجارته على فمه: (والله غناء زمان دا فيهو سر غريب خلاص)..ويصمت قليلاً قبل أن يضيف: (غناء اليومين ديل ما جايب حقو)، -هذا فيما يختص بالفنان الشاب الذى يبحث عن ديمومة وعن تاريخ- اما الغالبية العظمى من الفنانين الشباب فقد هاجروا لمدائن الاغنيات الركيكة و(الدكاكينية) واستوطنوا هناك مؤسسين لامبراطورية جديدة تحكمها (الصولة)، ويسيل لُعابها لـ(هز الوِسط).!
شربكة أخيرة:
مشكلة الشعراء في السودان مشكلة كيان فني كامل افتقد للكثير من الصفات القديمة من تسامح وإخاء وحب ومودة، ومشكلة بعض الشعراء السودانيين الكبار اليوم تكمن في إحساسهم العالي بـ(أوراق البنكنوت) وفقدانهم لذات الاحساس أمام المشاعر والعواطف والاحاسيس النبيلة ، او كما قال لي ذلك الشاعر (القطيم): (يا اخوي المشاعر دي حتأكلنا عيش..؟)..وبذلك نعود لتفسير صديقي عندما قال إن مشكلة بعض الشعراء الكبار في السودان تكمن وبكل وضوح في (الرغيف).!
[/JUSTIFY]

الشربكا يحلها – احمد دندش
صحيفة السوداني